برلمان مصر 2000

ظُلمت الانتخابات البرلمانية فى مصر، فلم يسلط عليها الضوء عربيا أو عالميا، لأنها تزامنت مع الثورة الفلسطينية فى الأرض المحتلة، وبالرغم من أحساس الجميع فى مصر بأن انتفاضة الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية، سيكون لها تأثيرها العميق فى انتصار الدولة الفلسطينية وتقرير مصير شعبها بعد طول انتظار. فإن انتخابات مجلس الشعب المصرى 2000 هى فاتحة تغيير سياسى كبير، ولا أبالغ إذا أطلقت عليه »انقلابا ديمقراطيا«، فقد حافظ القضاء المصرى الشامخ بكل اقتدار على سلامة صناديق الاقتراع نظيفة من أسوأ ظاهرة صاحبت الانتخابات فى مصر عبر تاريخها البرلمانى العريض قبل الثورة وبعدها، وهى ظاهرة »تقفيل« الصناديق، هذه الصناديق لم تكن الحكومة ـ أو ممثلها ـ وحدها هى التى تقوم »بالتقفيل« بل كان المرشح القوى بعزوته والأهالى المسيطرون، يقومون بالانتخاب نيابة عن أهلالغائبين الذين لا يذهبون عادة إلى صناديق الاقتراع، ، لأنهم يتصورون وكعادة المواطنين ـ أهل الريف والحضر ـ أنه من الممكن لفرد أو مجموعة أفراد أن يعبروا وينتخبو ا باسم أهل الدائرة، الذين لا يُقبلون على الانتخابات.
هذه الظاهرة الرديئة والسلبية اختفت فى ظل الرقابةالصارمة والتدقيق الذى يشتهر به القضاء المصرى.
فلم يكن من الممكن أن ينتخب أخ لأخيه، أو زوج لزوجته، أو يتبادلون الانتخاب نيابة عن الآخرين باستخدام بطاقاتهم الانتخابية المحفوظة عادة فى مكتب النائب الشاطر، الذى ينجح دائما لأنه يحتجز البطاقات الانتخابية لأبناء دائرته فى درج مكتبه، ويُخرجها دائما وقت الانتخابات، ويعطيها إلى مجموعة من المتطوعين العاملين معه ليقوموا بالانتخاب نيابة عن الدائرة الغائبة.
تقسيم الدوائر الانتخابية والمحافظات المصرية إلى ثلاث مراحل متتابعة، مكن القضاء والشرطة من ضبط العملية الانتخابية وحماية الصناديق وضمان نزاهتها وحيدتها وشفافيتها، لكن هذا لا يمنع أن نشير إلى أن الوضع الحالى مازال غير كامل، أو مثالى، فقد عانى الكثيرون فى الوصول إلى أسمائهم فى الجداول الانتخابية غير المنظمة، ومن صعوبة الانتخاب وسط الكثرة العددية وزحام الأعداد فى حجرات صغيرة، أو من بعض التدخلات لحرمان البعض من الإدلاء بأصواتهم بسهولة وراحة، نتيجة الزحام أو عدم التنظيم الدقيق.
لكننا يجب أن نعترف بأن الخطوة التى حدثت هذه الدورة كبيرة، بل إنها عملاقة وتستحق التقدير والإشادة، وأنها بناء ديمقراطى سيسمح فى المستقبل أن يبنى عليه، خاصة مع الاتجاه إلى التحديث و استخدام الكمبيوتر بدلا من الكشوف اليدوية، حتى يمكن سرعة استخراج اسم الناخب فى ثوان معدودة، ومع استكمال الرقم القومى لكل المصريين، سنضمن سلامة وسرعة ونزاهة العملية الانتخابية، وقدرتها على إفراز نائب برلمانى يعبر حقيقة عن الشعب المصرى، ويكون قادرا على بناء الدولة الحديثة.
الانتخابات البرلمانية كشفت عن حقيقة واضحة وهى ضعف النظام الحزبى الذى لم يستطع مرشحوه أن ينافسوا المستقلين، وظهرت الأحزاب الكبيرة مثلها مثل الأحزاب الصغيرة ضئيلة التأثير.
ولم تستطع الأحزاب واسعة الانتشار، الإعلامى والصحفى، أن تغطى بإعلامها المنتشر وصحفها العديدة اليومية والأسبوعية على غياب كوادرها التنظيمية والحزبية وعملها السياسى داخل المجتمع أو حتى داخل الدوائر الانتخابية، وطوال العام وبانتظام.
ولذلك فشلت فى أن تحقق نتيجة فى الانتخابات، بل إن معظم الفائزين فى الانتخابات من المستقلين، وليسوا من الأحزاب، فليس هناك فضل لحزب على مرشح، بل إن المرشح هو الذى يدعم الحزب، فالأحزاب غائبة تماما.
وفى المستقبل لن يلجأ أحد إلى الأحزاب طالبا ترشيحها إذا استمر ووضعها الحالى وبكياناتها الهزيلة، وغير المنظمة، ولا تدير عملا سياسىا حقيقىا، وليس لها تأثير على الشارع السياسى، بل قصرت وجودها على الشارع الصحفى.
حتى الحزب الوطنى، حزب الأغلبية، لم يستحوذ على الأغلبية بالمرشحين الذين قدمهم للعملية الانتخابية، بل استحوذ عليها بالمرشحين المستقلين، الذين مازالوا مؤمنين بدور الحزب الوطنى فى مستقبل مصر السياسى، وإلا لكونوا حزبا جديدا للأغلبية وكان فى استطاعتهم تحقيق ذلك.
ويجب ألاّ نلوم المستقلين الذين فازوا فى الانتخابات واختاروا الانضمام إلى الحزب الوطنى، لكن نُشيد بشجاعتهم وقدرتهم على اتخاذ القرار عندما رفضوا اختيارات الحزب الوطنى، وخاضوا الانتخابات بأسمائهم، فالانتخابات فى بلادنا »فردية« وليست »حزبية« وهؤلاء المرشحون الناجحون لم يخدعوا ناخبيهم، فالناخبون اختاروهم لأشخاصهم وليس لأحزابهم.
وإذا كنا يجب أن نلوم أحدا، فإننا نلوم الحزب الوطنى ـ الذى لم يرشحهم، والذى قبل ضم المستقلين الذين لم يخوضوا الانتخابات على قائمته ـ لكن من حق النائب أن يذهب إلى الحزب الذى يريده، هذا حق دستورى مادامت الانتخابات فردية وليست بقوائم حزبية.
هذا إذا أردنا أن نتكلم بصراحة مطلقة، فالأحزاب فى مصر ـ حتى الحزب الوطنى الحاكم ـ أحزاب شكلية لها مبان وليس لها مضمون فعلى أو هياكل حقيقية، قد تكون مؤسسات صحفية أو خدمية، لكنها ليست بالقطع مؤسسات سياسية، تلك هى الحقيقة المرة التى كشفت عنها الانتخابات فى مصر.
والناخب يثق فى الفرد ولا يثق فى المؤسسة أو الحزب، وإذا كان للديمقراطية أن تتطور وتنمو فى مصر، فيجب أن نهتم ببناء الأحزاب السياسية ونمنحها فرصة للنمو والتقدم والانتشار، لأنها المدارس أو الجامعات التى من الممكن أن تقدم إلى بلادنا السياسيين الذين يحمون مستقبلها ويضمنون استقرارها.
نعود إلى نقطة البدء، لنؤكد على حكمة القرار السياسى، بإشراف القضاء المصرى على مجمل العملية الانتخابية، وقدرة رجال العدالة والقضاء على التنفيذ، الذى أعطى لمصر انتخابات نفتخر بها ونعتبرها مقدمة لإصلاح سياسى وحزبى كبير، كما أعطاها برلمانا حرا وقوىا، سيكون له مستقبل كبير.