مقالات الأهرام العربى

الحرب على السادات

إذا لخصنا القرن العشرين مصريا وعربيا، لاحتل الرئيس الراحل أنور السادات مقدمة العظماء العرب.. وهذا ليس من المبالغة أو النفاق.. فالرجل راحل.. بل إنه الشخصية العربية الوحيدة المظلومة مصريا وعربيا.. وإذا كنا نعرف بعض أسباب ظلمه من المثقفين العرب.. فنحن لا نفهم كيف يظلمه بنى وطنه؟. ولا نعرف أكثر كيف يظلمه بعض زملائه من قادة ثورة يوليو؟ فالرجل ركّز جهده ـ فى كل سنوات حكمه الصعبة ـ لتصحيح خطايا  ثورة يوليو وأولاها وأخطرها، وأكثرها جسامة هزيمة يونيو ٧٦٩١.. التى لا يمكن بل يستحيل أن نتجاوزها أو نعفو ونتسامح إزاءها.. والتى مُنِىَ بها الوطن لضعف القيادتين العسكرية والسياسية فى ذلك الوقت.. والصراع الخفىّ على السلطة بين جناحيهما.. حتى إن الشخصية التى تهاجم الرئيس السادات وتتهمه بأبشع الاتهامات.. صورت الموقف بشكل مضحك.

فقد قسموا السلطة بين القائد السياسى المبهر، حيث تركوا له الميكروفون والجماهير… واستحوذ منافسه أو نائبه وقائده العسكرى، كما كنا نعرف، على صناعة القرار والسلطة الحقيقية. واستمر الرجل فى سخريته، وأعتقد أنه يسخر من نفسه، عندما ذهب إلى الرئيس الذى خرج لتوه من الهزيمة قائلا. ولا يهمك ياريس.. فنحن وضعنا اليوم أفضل مما كنا عليه عند قيام الثورة.. وطلب منه  أن يعتبر الهزيمة واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، وكأن الثورة تبدأ اليوم.

حتى إن الرئيس راجعه قائلا. كيف تقول ذلك وقد طفحنا »الكُوْتَة« ٥١ سنة، ثم حدث الذى حدث.

ولم أفهم، ولم يفهم كل من شاهد البرنامج التليفزيونى المضحك.. كيف يقول ذلك نائب رئيس الجمهورية الأسبق، وأى وضع أفضل.. هل وضع البلد أم وضعهم هم فى الحكم؟

وعلى كل حال.. فالوضعان أسوأ.. فالبلد الذى يحكمونه، وقاموا بالثورة من أجله أصبح محتلا، وقناة السويس التى أُمِّمَتْ واستردوها لبلدهم بأخطر القرارات الثورية ـ أصبحت رهينة ـ وتوقفت الملاحة فيها، وتطاول علينا الأعداء والأصدقاء.

الهزيمة حدثت، وهم جميعا شركاء فيها، بمن فيهم الرئيس الراحل أنور السادات. لكن الذى يُميّز السادات عن الجميع، أنه صاحب قرار الحرب، وهو القائد المنتصر الذى عبر القناة بجنوده، ولعلنا الآن نفهم بوضوح لماذا أطلق الرئيس السادات ـ عندما تخلص من مراكز القوة على ٥١ مايو ٠٧٩١ثورة التصحيح، فقد كانت مقدمة لقراره العظيم فى حرب ٣٧٩١، وعبور قناة السويس، وعبور الهزيمة، فمن غير الممكن أن يحقق انتصارا، وهناك صراع خفىّ على السلطة ـ كما حدث فى ٧٦٩١ ـ مثل قراره المميّز والوطنى بطرد الخبراء السوفيت. وبعد سنوات قليلة من وفاته سقط السوفيت، وأصبحوا كلهم جزءا من الماضى، وكأنه كان يستقرأ المستقبل، ويتحرك فى ضوئه وهَدْيهِ.

إذا عدنا بالذاكرة لكى نستخلص عظمة الرئيس السادات ومكانته فى التاريخ.. فسوف نتوقف طويلا أمام هذه العبقرية الفذة. ولعل الشىء الوحيد المفيد الذى يحدثه كل من يتهمون السادات ويتطاولون على عظمته.. أنهم يذكروننا بفضل هذا القائد والسياسى المحنك. الذى خاض حربا عسكرية فى ظروف صعبة مع القوى الدولية المتحكمة.. التى كانت تستعد لكتابة حقبة جديدة من  التاريخ بعد أن  تهزم القوى الأخرى المنافسة والمناوئة لها فى مرحلة الحرب الباردة.

القائد السياسى الذى يعرف كيف يحافظ على جنوده فى الميدان ويحفظ لهم  نصرهم العسكرى الفذ.

القائد الذى يقف ليس أمام إسرائيل، بل أمام أمريكا القوة العظمى المنفردة فى عالمنا اليوم، وينتصر انتصارا عسكريا حقيقيا.

أليس هو القائد الأسطورى؟ هذا هو السادات، وتلك هى الحرب وذلك هو الانتصار الذى كان يكفيه حتى يُخلَّد ويحتل مقدمة زعمائنا، فقدرة هذا الرجل وعبقريته وأمانته ومسئوليته أمام شعبه وأمته، جعلته يخطو بعيدا ويخاطر بتاريخه ومستقبله، فيشن وبجرأة حربا جديدة.. هى حرب السلام.. وينتصر، ويسترد أرضه.. ويحافظ على كل أراضى العرب، وفى مقدمتهم الفلسطينيون، فاتحا الباب لهم لإقامة دولتهم المستقلة بالمفاوضات.. فى هذا الزمن الصعب كما تعرفون جميعا.

هذا القائد يتهمه بعض زملائه بالخيانة.. أليس هذا ظلما بيّناً؟ بعد ٠٢ عاما من حربه السلمية.. ذهب الكل إلى مائدة المفاوضات، بعد أن فهموا أخيرا وبعد طول معاناة.. مغزى قرار السادات بالذهاب إلى عقر دار العدو، وفرض السلام عليه.. لم نسأل من تخلّفوا.. لماذا تخلفتم طويلا؟ ولماذا حاربتم السادات؟ ولكن نتهمه بالخيانة.

كيف ذلك؟ وأى ظلم يقع على هذا الزعيم الشهيد الذى راح ضحية وطنيته وأمته؟

هل الحرب الجديدة على السادات هى مقدمة لتسليم أمورنا للتطرف والمتطرفين.. انظروا جميعا حولكم.. لكى تعرفوا وبدقة عظمة وعبقرية أنور السادات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى