مقالات الأهرام العربى

قمم الإنقاذ ولَمّ الشمل

القمم  العربية  التى  أجراها  الرئيس  حسنى  مبارك . .  لعبت  بحنكة  شديدة  على  تغيير  المناخ  العربى  وتهيئة  منطقتنا  لاستيعاب  المتغيرات  العالمية،  وتلافى  الآثار  السلبية  التى  خلقتها  الأزمات  العربية  المتعاقبة . .  والأهم  أنها  خلقت  واقعا  جديداً  سينبت  ظروفا  ومناخا  أفضل  مما  يمكِّن  العرب  من  العودة  إلى  التعاون  الإقليمى  وتجاوز  خلافاتهم  ومواجهة  مشاكلهم  المزمنة  بتنسيق  وتعاون  وعودة  مرتقبة  إلى  القمة  العربية  الشاملة .

فقد  استطاعت  زيارة  الرئيس  مبارك  الأخيرة  ـ  إلى  سوريا  والأردن،  ولقاؤه  بالزعيمين  حافظ  الأسد  والملك  عبدالله  الثانى،  ولقاءاته  المستمرة  مع  الرئيس  الفلسطينى  ياسر  عرفات  ـ  أن  تظهر  للوجود  العربى  والعالمى . .  تنسيق  العرب  المهتمين  مباشرة  بالسلام . .  أو  الدول  التى  عرفت  باسم  دول  الطوق .  فى  مواجهة  مفاوضات  السلام  الراهنة  مع  إسرائيل .

فالقمة  الأخيرة . .  أظهرت  للعالم  ولإسرائيل  قدرة  العرب  على  التنسيق  والتعاون .  وأن  الخبرات  المتراكمة  لدى  مصر  فى  مفاوضاتها  مع  إسرائيل  هى  ملك  لكل  العرب .  وأن  مصر  مع  الجميع،  ولا  يمكن  أن  تتهاون  فى  أداء  دورها،  لأنها  تعرف  تماما  أن  دعمها  للسلام  وللمفاوضات  ليس  بحثا  عن  دور  إقليمى،  لكنه  واجبها  القومى،  ولن  تتخلى  عنه،  حتى  يحصل  جميع  العرب  على  كامل  حقوقهم  على  جميع  المسارات  »سورياً  ولبنانياً  وفلسطينياً« .

فمصر  ـ  ورئيسها  مبارك  ـ  لعبت  دورا  بارزا  فى  إفشال  سياسة  إسرائيل . .  للعب  على  السلام،  وليس  للسلام،  باختلاق  سياسة  المحاور . .  فكشفت  عن  أنه  ليس  هناك  تعارض  بين  المسارين  السورى  والفلسطينى . .  بل  إن  أى  تقدم  على  أى  مسار  منهما  يساعد  الآخر،  وأن  ما  تروجه  إسرائيل  بأنها  لا  تستطيع  تقديم  تنازلات  على  أكثر  من  جبهة  فى  وقت  واحد  زعم  خاطىء،  فقد  استهدف  الإضرار  بالمسارين  معا،  وإشعال  مناخ  المزايدات  والضعف . .  فعندما  تنسحب  إسرائيل  كما  شرحت  مصر  على  لسان  ـ  وزير  خارجيتها  »عمرو  موسى«  ومستشار  الرئيس  »أسامة  الباز«  ـ  فإنها  لا  تقدم  تنازلات،  وإنما  تنفذ  التزاماتها  وواجباتها .  وسيكون  أفضل  لإسرائيل  لو  تم  تقديم  هذه  الاتفاقيات  كصفقة  واحدة .  وسيكون  الإسرائيلون  أمام  خيار  استمرار  الصراع  والتوتر  والحالة  النفسية،  وعدم  القدرة  على  التنبؤ  بالمستقبل،  وبين  أن  يعيشوا  فى  منطقة  تقبل  وجودهم .  وهذا  القبول  العربى  ثمنه  أن  تسلم  إسرائيل  العرب  حقوقهم .

كما  لعب  الرئيس  حسنى  مبارك  دورا  كبيرا  خلال  قمته  مع  الرئيس  الأسد  فى  التعبير  عن  إرادة  العرب  الجماعية  فى  دعم  مباحثات  سوريا  مع  الإسرائيليين  فى  واشنطن،  وفى  التخفيف  من  حدة  اختلاف  وجهات  النظر  الفلسطينية  والسورية،  تمهيدا  لجمع  العرب  فى  قمة  مرتقبة .

وتظهر  لنا  أن  قمم  الرئيس  مبارك  مع  قادة  المشرق  العربى،  ليست  بعيدة  عن  قمم  شهر  رمضان  المبارك  التى  ضمت  قادة  وزعماء  السعودية  والإمارات  وقطر  والبحرين،  ثم  قمته  مع  زعيمى  ليبيا  والسودان،  كل  هذه  الاجتماعات  واللقاءات  مع  القادة  العرب . .  نجحت  فى  تجاوز  الآثار  ـ  التى  مازالت  تلبد  الجو  العربى،  عقب  حرب  الخليج  فى  سنوات  التسعينيات  من  القرن  الماضى  ـ  وفى  التخفيف  من  حدة  المشاكل  التى  نتجت  عن  هذه  الحرب،  وفى  إظهار  دعم  العرب  لشعب  العراق  فى  تجاوز  محنته .  وأن  العرب  ـ  قادة  وشعوبا  ـ  لا  يقبلون  أن  يتدخل  الغير  أو  الأجانب  فى  تغيير  نظام  الحكم  فى  أى  بلد  عربى،  وأن  ما  يرفضونه  لبلادهم،  لا  يقبلونه  للعراق،  ومهدت  هذه  المباحثات  إلى  لم    الشمل،  والقبول  العربى  بالقمة  الشاملة،  والملاحظة  الجديرة  بالتسجيل  من  الجميع،  هى  أن  حركة  مصر  وقائدها  مبارك . .  تتميز  بالشجاعة  والصراحة . .  والسرعة  الفائقة،  وأنها  للعرب  ولقضاياهم  جميعا.

تحركت  لدعم  مباحثات  السلام  ورعاية  قضية  العرب  الرئيسية  لاسترداد  الحقوق  الضائعة . .  مع  الفلسطينيين  والسوريين  واللبنانيين .

سعت  إلى  تجاوز  الأزمة  العراقية . .  ودعم  الشعب  العراقى  ورفض  تقسيم  العراق  أو  التدخل  فى  شئونه  الداخلية،  وخففت  من  التوترات  التى  نتجت  عن  هذا  الحدث  الضخم  فى  تاريخ  العرب .

تحركت  لحماية  السودان . .  عندما  تعرض  للحظر  الداخلى . .  ووقفت  مع  الشرعية،  و»لَمّ«  شمل  السودانيين . .  ومواجهة  مؤامرة  التقسيم  وتفتيت  السودان  إلى  دويلات  صغيرة .

وتتحرك  لإنهاء  الحصار  على  الدول  العربية،  ودورها  واضح  فى  دعم  ليبيا  والعراق .

كل  هذه  التحركات  والعمل  الدءوب  والمتصل  والمستمر  يمهد  لعقد  القمة  العربية  الشاملة،  ولكى  تكون  ناجحة  فى  توحيد  صفوف  الشعوب  والدول  فى  مواجهة  المتغيرات  الإقليمية  والعالمية  الحادة .

فالشأن  العربى  فى  اختبار  حقيقى،  عقب  السلام  الشامل . .  كما  أن  التقارب  الإقليمى  والاقتصادى  وظهور  التكتل  العربى  يحمى  شعوبنا  ومنطقتنا  فى  عصر  التكتلات  الكبرى،  وهويتنا  ومستقبلنا  فى  خطر  إذا  استمرت  حالة  الضياع  والتشتت  الراهنة،  فهبوب  رياح  المنافسات  الإقليمية  والعالمية،  أصبح  لا  يرحم،  بل  يهدد  باقتلاعنا  من  منطقتنا،  وتغيير  هويتنا  وثقافتنا،  ولعلنا  نشعر  باطمئنان . .  لأن  قمم  مبارك  مع  الزعماء  العرب  كانت  بديلا  لغياب  القمة  العربية،  وأنها  مهدت  لتغيير  المناخ  العربى . .  وفتحت  الباب  للقمة  الشاملة،    فقد  كانت  قمم  الإنقاذ  ولم  الشمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى