مقالات الأهرام العربى

فشل المهووسين

فشلت قوى التطرف واللاوعى السياسى والفكرى فى الاستيلاء على حماسة الجماهير العربية للشعب الفلسطينى وانتفاضته الباسلة لجر المنطقة العربية إلى حالة من اثنتين الحرب أو الفوضى، وأظهرت المنطقة العربية قدرة وحكمة بالغة فى إدارة أزمة الصراع العربى ـ الإسرائيلى فى مرحلتها الراهنة الصعبة والحساسة معا، وتماسكت قوى العقل من أجل حماية مصالح الشعب الفلسطينى والعربى ككل.

واستطاعت حكمة القرار العربى تفويت فرصة  سانحة التقى خلالها رأى المهووسين والمتطرفين فى عالمنا العربى بكل أشكالهم وعقولهم الواهية مع المتطرفين والعسكريين فى إسرائيل، الذين حاولوا جاهدين جر المنطقة إلى حافة الهاوية، بل إن كل المعلومات كانت تشير إلى تحرك عسكرى إسرائيلى لانتهاز أى خطأ سياسى أو عسكرى يرتكب فى المنطقة إلى، وتوجيه ضربة كبرى ـ لا أقول تهزم العرب ـ فهزيمة العرب الآن غير ممكنة بدون خسائر فادحة لمرتكبى العدوان، لكن للتهرب من استحقاقات السلام والخروج من المأزق الراهن الذى تعيشه إسرائيل ويلزمها تاريخيا، باتخاذ قرارات صعبة، ليست فى قدرة قادتها حاليا، ويحاولون جاهدين الخروج عليها، وتحميل الآخرين المسئولية فهم لا يستطيعون ولن يستطيعوا الإفلات من اتخاذ القرارات الصعبة، سواء كان باراك أم شارون أم أى قائد أم رئيس جديد، تفرزه لعبة الانتخابات والأحزاب الإسرائيلية فى المستقبل.

حكمة العرب قادها حسنى مبارك ومصر بشجاعة واقتدار فى قمتى شرم الشيخ لقادة المجتمع الدولى، بحضور كلينتون والأمين العام للأمم المتحدة، وممثل الاتحاد الأوروبى ومصر والأردن وإسرائيل وفلسطين، فى قمة تشهد على حكمة العرب ورؤيتهم الجادة لإدارة الصراع ومواجهتم كل الظروف والملابسات.

وظهر واضحا أن رفض الفلسطينيين لاحتلال أراضيهم أقوى من كل أنواع العدوان والضرب والوحشية، وأن كل هذه العمليات لم تفقدهم صوابهم. ورؤيتهم لمستقبل الصراع وتمسكهم بالمفاوضات وبطريق السلام العادل، القائم على احترام جميع  الحقوق وفى مقدمتها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس المحتلة.

وهكذا تكون الرؤية القادرة مشيرة إلى أن السلام لا يعنى الاستسلام للعدوان والمعتدى. لكن يعنى المقاومة وتدشين الحق بالدم، وكفاح الشعب الأصيل من أجل حقوقه ومستقبله.

ثم جاءت قمة العرب، وكانت رؤيتهم هى الأخرى قاطعة وتملك الشجاعة. وانتقلت من الرفض والشجب إلى الدعم وممارسة المقاومة، وشرعت فى تجاوز كل الخلافات والرؤى المختلفة بين من تعودوا على الرفض والجهاد، ولا يتجاوزون سلاح الميكروفونات، إلى المشاركة بدعم الانتفاضة والتسليم بمشروعية المقاومة إلى دعم الشعب الفلسطينى وانتفاضته على الأرض وتعويض الجرحى ورعاية أسر الشهداء إلى تخليص الشعب من أن يكون رهينة للاقتصاد الإسرائيلى.

وعندما اكتشف المهووسون باختلاف أنواعهم عجزهم عن ركوب موجة الشارع العربى ورفضه للعدوان، لجأوا إلى الوقيعة بين الشعب الفلسطينى من ناحية، وبين سنده الرئيسى مصر، ورئيسها مبارك، فكان رد فعل الرئيس مبارك المحب لقضيته والواعى لدوره السياسى وصاحب الحنكة والفعل الإيجابى واضحا »مصر مع الفلسطينيين تحمى دماءهم وتحترم انتفاضتهم وتعرف معنى فقدان شهيد واحد، وأن الدم غال، وأن المعتدى سيدفع ثمن عدوانه، وسوف نلاحقه فى كل مكان، لكننى لا أتنازل عن تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

إن هذا وقتها وستقام وستنتصر، لكن الانتصار يلزمه عقول وقادة كبار، يحددون الأهداف ولا يتنازلون عنها مهما كانت الانفعالات أو الغضب«.

ولم ييأس المهووسون والمتطرفون والحمقى بكل أشكالهم، فذهبوا يزرعون بذور الشك بين القادة والشارع العربى، بحجة أن العرب لم يلتزموا ولن يقدموا الدعم، فكانت حركة الشارع العربى وسرعة اتخاذ القرارات لصندوق الانتفاضة والقدس من الحكومات فى السعودية والكويت وكل دول الخليج، بل من كل مواطن عربى نموذجا حيا للتلاحم الحى والمصيرى بين العربى فى كل مكان وأخيه الفلسطينى فى الأرض المحتلة، اجتمع العرب فى المغرب العربى والشام والخليج ومصر والسودان، كما لم يجتمعوا من قبل.

وهكذا تثبت الأيام أن القضية الفلسطينية وكفاح الفلسطينيين لم يكن فقط من أجل إقامة دولتهم الغالية فلسطين أو حماية المسجد الأقصى، لكنه كان من أجل أمته العربية كلها، فقد استطاع الفلسطينيون بكفاحهم وانتفاضتهم الباسلة تجميع العرب فى وحدة مثالية، لم يجمعوا القادة فقط، بل اجتمع حولهم الشارع العربى الذى مزقته الخلافات والحروب العربية ـ العربية والمنافسات القطرية والصراعات العقيم.

اجتمع العرب حول قلب رجل واحد لمواجهة العدوانية والهمجية الإسرائيلية، ورفضوا الانحياز الأمريكى وازواجية المعايير لنظام دولى عجز عن حماية استقراره.

وأثق أن العرب بهذه الحكمة، وبهذا التعاون قادرون على حماية مصالحهم وهزيمة العدوان وتحقيق أهدافهم، بشرط وحيد أن نحمى أنفسنا من المهووسين والحمقى وشاردى الذهن والمتطرفين الذين يتكلمون من حناجرهم وليس من عقولهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى