مقالات الأهرام العربى

قرارات صعبة

استوقفنى صديقى محدثاً بصوت مسموع كل المنطقة يحتدم حولها وداخلها الصراع والأزمات، خاصة مع الأيام الأخيرة من القرن العشرين، إذا كنا قد اتفقنا على أن عام 2000، هو العام الأخير فى الألفية القديمة أو الأول فى الألفية الجديدة.

قلت لمحدِّثى دعنا نرغب أو نأمل فى تأجيل الألفية، ولو لعام واحد، حتى نعطى بلادنا العربية فرصة التقاط الأنفاس، ومحاولة اتخاذ القرارات الصعبة التى يجب اتخاذها قبل فوات الأوان. وتَسَاقُط الأحجار. أو سقوط الجدار الأخير.

رَدَّ علىّ محدِّثى هكذا تبرهن على انتمائك للمنطقة العربية، حيث ترغب دائماً فى تأجيل القرارا ت الصعبة، لكى يتخذها نيابة عنك الآخرون، مثلك مثل كل الأشقاء العرب الذين يهربون من مواجهة واقعهم المتردى تماما تارة بالتأجيل، أو بالانتظار تارة أخرى، ولا سبيل للمواجهة ووضع النقاط على الحروف، فكلنا هاربون، وساعون إلى انتظار المجهول الذى لا يأتى دائما لأننا لم نعمل له. أو نجهز أنفسنا لمواجهته.

ويجب أن تعترف أنك مع الآخرين، لم تستعدوا تماما لمواجهة مشكلاتكم التى تبدو بلا حَلّ تقريبا، وأن استعدادكم للقبول بالواقع الذى تعيشونه محدود جدا. وأن الانتظار لن يفيد فى الخروج من المجهول أو الصعب الذى يَتَرصّدكُم.

قلت  إن التعميم يخيف ويدعو إلى التشاؤم، ونحن فى أيام متغيرة وجديدة، وتدعو إلى التفاؤل.

قال دعنا من التفاؤل أو التشاؤم، فإنها لا تجيب عن التساؤلات والمصاعب حول صورة منطقتنا عشية الألفية الجديدة، وماذا ينتظرها.

انظر حولك.. لتجد العرب متفرقين غير متفقين، ليس على المستقبل فحسب، لكن على الحاضر أيضا، العرب محاصرون، ولا يجدون ما يفعلونه، الشقيق يتربص بشقيقه، قبل أن يفكر فى المصير الذى ينتظره، بعد سقوط شقيقه أو انتصاره المزعوم عليه.

قال مُحَدِّثى أرغب فى التحديد، ودعك من التعميم.

قلت انتظر.. ماذا تريد؟

أريدك أن تُحَدِّد لى قطرا عربيا ليس بعيدا عن الأزمة.

لنبدأ بفلسطين المنتظَرَة أو المأمولة، فالعرب تركوا الفلسطينيين وحدهم للتفاوض حول نقاط الحل المرحلى، والحل النهائى، بما فى ذلك القدس و المياه والمستوطنات، واللاجئون، وقدرة المنظمة ومفاوضيها محدودة، وإمكاناتها ضعيفة، ولا تملك القدرة على الوصول إلى الحل المرْضى، وليس العادل.

حتى القمة العربية فشلوا فى عقدها للتنسيق والضغط ومساعدة المفاوض الفلسطينى.

الفلسطينيون أنفسهم مختلفون، وهم على أبواب حرب أهلية ـ وقانا الله ووقاهم شرورها ـ فالأزمة الفلسطينية والصراع مع إسرائيل انتقل ـ بذكاء العدو أو بغبائنا ـ إلى صدورنا، وأصبحت الأزمة أزمتنا الداخلية، والفساد يستشرى فى الجسم الفلسطينى الضعيف، والخوف من المستقبل استولى على الجميع.

وأصبحوا جميعا أمام قرارات صعبة، بضرورة اختيار قيادة قوية متطهرة ومتعاونة ومؤسسات قادرة على التفاوض بالحصول على دعم عربى شامل، حتى تصل القضية إلى بر الأمان.

وإذا انتقلنا إلى العرب المحاصَرين سواء من الخارج أم من الداخل، فسنجد العراق خير مثال على الانهيار العربى الشامل دولة تحتضر، ونظام متشبث بالسلطة، وشعب يموت.

والسودان محاصَر من الداخل بالحرب الأهلية، بين الشمال والجنوب، والاختلاف من أهل الشمال، والتربص الخارجى الواقف بالمرصاد لكل محاولات التغيير فى هذا البلد الذى  أصبح نموذجا حادا للصراع الداخلى.

وهكذا  يتكرر الموقف نفسه فى الجزائر، وليبيا تنتظر قرارات خارجية لتحديد المصير، وأوضاع داخلية صعبة نتيجة الحصار، والخليج العربى كله يواجه مصاعب اقتصادية جمة، بسبب التدخل الخارجى، وانخفاض مداخيله البترولية، وزيادة مصروفاته الأمنية. وتداعيات الحرب الخليجية الأولى والثانية، لضخامة أْعبائهما، وقرارات تأجيل التعاون الاقتصادى بين دوله، وإذا انتقلنا إلى الشام فى سوريا و لبنان، فسنجده ينتظر ـ أيضا ـ قرارات داخلية  صعبة فى الاقتصاد والسياسة، وفى مصر بدون شك نجد أن الأزمة العربية السياسية تؤثر على قواها الداخلية وتحاصرها، وهى الأخرى تحتاج إلى قرارات صعبة فى السياسة والاقتصاد.

ماذا تبقى  للعرب وهم ينتظرون الألفية الجديدة؟.. هل هناك بصيص من النور والأمل فى التنسيق والتعاون العربى، حتى لا يسلموا مصيرهم إلى واقع دولى، سيكونون فيه فى الموقف الأضعف بالتأكيد؟ هل ينسقون سياسيا ويتخذون القرارات الصعبة، قبل أن يتساقطوا فرادى فى حبائل نظام عالمى جديد لا يرحم الضعفاء؟

عليهم إذن أن يتخذوا جميعا القرارات الصعبة المؤجلة قبل فوات الأوان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى