مقالات الأهرام العربى

رسالة الشرق الأوسط

كان  من  الطبيعى  لمصر  أن  تغضب  وتستاء  ـ  رسميا  وشعبيا  ـ  من  التقرير  الأمريكى  الذى  نُشر  والصادر  عن  المخابرات  المركزية،  مُتَّهماً  عددا  من  الدول  منها  مصر  والهند  والعراق  وباكستان  وكوريا  الشمالية  والسودان  وسوريا،  بأنها  تحصل  على  تكنولوجيا  الدمار  الشامل  والأسلحة  التقليدية  المتقدمة،  مشيرة  إلى أن  هذه  الدول  تشكل  ـ  طبقا  لهذه  التقارير  ـ  مصدرا  للقلق  العالمى أو  الأمريكى.

ومصدر  الغضب  المصرى  تحديدا  ليس  إلا  للتحيز  أو  الازدواجية  فى  التقييم،  والزَّج  باسم  مصر،  وتحاشى  ذكر  إسرائيل،  وهى  الدولة  النووية  الرئيسية  الآن  فى  الشرق  الأوسط،  بالاعتراف  الضمنى  من  كل  دول  العالم،  فهذا  طبيعى  ومتكرر،  وليس  لأن  مصر  لا  تملك  هذه  النوعيات  من  الأسلحة،  ولاتسعى  إليها،  لكن  لمكانة  مصر  ودورها  الفعلى  فى  الشرق  الأوسط  والعالم..  ففى الوقت  الذى  يبذل  فيه  رئيسها  حسنى  مبارك  جهوداً  متعددة  لحماية  السلام  والأمن  والاستقرار  فى المنطقة،  يواجه  بالمعوقات  والتقارير  الأمريكية..  حتى  إن  أمريكا،  القوة  الكبرى  فى  عالمنا  المعاصر،  أصبحت  تبدو  أمام  الرأى  العام  العربى  فى  صورة  القوة  التى  تقف  ضد  استقرار  المنطقة،  فهى  التى تواصل  ضرب  العراق،  وتحاصر  شعبه،  وجعلته  يقف  على حافة  المجاعة،  وبالرغم  من  أن  العرب  جميعا  غير  راضين  عن  نظام  صدام  حسين،  فهم  يعرفون  جيدا  ويدركون  أن  إسقاط  أى  نظام  يجب  أن  يكون  من  الداخل،  وليس  برصد  أموال  خارجية،  أو  تكثيف  عمليات  مخابراتية،  فكل  ذلك  لا  يحرر  شعوبا  أو  يسقط  أنظمة،  لكنه  مقدمة  للحروب  الأهلية،  واشتعال  المنطقة،  وهكذا  فأمريكا  هى  التى  تقود  النظام  العالمى،  وتفرض  على  ليباي  حصارا  مماثلا،  وتهدد  شعبها  بالعقاب  الشامل،  والتهمة  هى  مسئولية  عنصرين  من  أجهزة  مخابراتها  عن  حادث  لوكيربى،  فالشعب  الليبى  يُعاقب  بالفعل  عن  جريمة  لم  ولن  يكون  مسئولا  عنها،  أيا  كان  المتهم،  كما  لا  يمكن  أن  يعاقب  متهم،  ويفرض  الحكم  قبل  ثبوت  الجريمة،  وكل  الشواهد  والتقارير  تشير  إلى  مسئوليات  متعددة  ومتهمين  آخرين  عن  حادث  طائرة  »بان  أمريكان«  المنكوبة  عام  ٩٣..

لكن  ماذا  تفعل  الشعوب  الضعيفة  أمام  القوى  الكبرى  فى عالم  اليوم،  فهى  تفرض  العقوبات  وتخرب  الاقتصاد  العالمى..  وتجعل  شعوبا  غنية  تقف  على  حافة  الفقر  والعوز..

وإذا  تحدثنا  عن  الضعف  الأمريكى  فى مواجهة  إسرائيل  ـ  فحدث  ولاحرج  ـ  وإذا  انتقلنا  إلى  الحديث  عن  مسئولية  السلام  الضائع  فى المنطقة،  والدور  الإسرائيلى  والضعف  الأمريكى،  فالصورة  قاتمة.

لكن  ما  يشغلنا  الآن  هو  أن  أمريكا  تحاصر  مصر،  ودورها  ورصيدها  فى  السلام  الإقليمى  والاستقرار  بارز  ومشهود،  وتترك  إسرائيل  تتسلح  بكل  أسلحة  الدمار  الشامل،  وتقف  عاجزة  أمام  كبح  جماح  التطرف  الإسرائيلى،  الذى  يمهد  لأخطر  الحروب  والانفجارات  الإقليمية،  وهى  اشتعال  الحرب  الإرهابية،  والتى  وصفها  الرئيس  مبارك  أخيرا  بدقة  متناهية  فى تشخيص  شامل  واقعى  للموقف  فى  الشرق  الأوسط،  عندما  طالب  فى  حديث  صحفى  قبل  رحلته  الأوروبية،  »إيطاليا  وألمانيا«  بدور  لأوروبا  والولايات  المتحدة،  بعد  تعرُّض  السلام  لنكسة  مستمرة  مع  تَوَلِّى  نيتانياهو  رئاسة  الحكومة  الإسرائيلىة،  وقيامه  بتجميد  اتفاق  أوسلو،  ورفض  الانسحاب  من  الخليل،  وتجيمد  اتفاق  »واى  بلانتيشن«،  وأشار  إلى  أن  النتائج  ستكون  خطيرة  فى حالة  عدم  تنفيذ  اتفاقات  السلام  واستئناف  المفاوضات،  بالرغم  من  أن  أخطار  الحروب  غير  واردة،  فهناك  ما  هو  أخطر  من  الحرب،  وهو  الإرهاب،  الذى لا  يعرف  حدودا  ولا  أعداء  محددين..

الرئيس  مبارك  يلعب  أكثر  من  دور  لحماية  المنطقة  والدفاع  عن  مصالحها،  خاصة  فى  عملية  السلام،  فهو  الذى  يمضى  قُدما  فى دعم  الفلسطينيين،  وحماية  السلطة  الفلسطينية،  وتوفير  الدعم  السياسى  والاقتصادى  للدولة  المنتظرة،  ويملك  الرؤية  الثاقبة  للوصول  إلى  الحل  الشامل  للصراع  العربى  ـ  الإسرائيلى..  الذى  يتكامل  بكل  شروطه  باستكمال  المفاوضات  مع  السوريين  واللبنانيين،  وصولا  إلى  الحل  النهائى.

هو  القائد  نفسه  الذى يملك  رؤية  الخروج  من  المأزق  الراهن  للأزمة  العراقية  التى تحمى  المنطقة  من  التشرذم  والانهيار،  هو  الرئيس  الذى  ملك  رؤية  المطالبة  بأن  تكون  منطقة  الشرق  الأوسط  خالية  من  كل  الأسلحة  النووية  وأسلحة  الدمار  الشامل..

يعمل  على  كل  الجبهات  داخليا،  يخوض  معركة  إصلاح  اقتصادى  شامل،  حتى  يعتمد  الاقتصاد  المصرى  على  نفسه،  ويتمكن  من  الخروج  من  أزماته  الداخلية،  ويملك  حزمة  متكاملة  من  السياسات  والبرامج  والمشروعات  الاقتصادية،  ولا  يتوانى  عن  دعمها  وتنفيذها  على  أرض  الواقع..  وإقليميا..  يخوض  معركة  من  أجل  إعادة  الاستقرار  الإقليمى..  وتوجيه  أنظار  الشعوب  العربية  إلى  بناء  سوق  مشتركة،  ويتحرك  فى اتجاه  التعاون  الإقليمى  بين  شعوبها،  ويدفع  باتجاه  الحل  الشامل  من  أجل  ذلك.

كما  أنة  صوت  دول  الجنوب،  يتحرك  عالميا  من  أجل  تصحيح  أوضاعها  من  خلال  رئاسته  لجنة  دول  الـ  »١٥«  وأمام  المنتديات  الاقتصادية  العالمية..  ومن  داخل  المنظمات  الدولية  للوصول  إلى نظام  اقتصادى  أكثر  عدالة  للفقراء  وللدول  النامية.

اقتنع  بأن  الإصلاح  والاستقرار  والتنمية،  وصوت  العقل،  والحوار  والتحديث  ورفع  مستوى  معيشة  الفقراء  هو  أكثر  الطرق  للنجاح  وللخروج  من  الأزمات،  وهو  يعمل  محليا  وإقليميا  ودوليا  فى نفس  الاتجاهات.

والسؤال  البسيط  الذى نطرحه  على الدولة  الكبرى  إذا  وجدنا  قائدا  وزعيما  وبلدا  بهذه  المواصفات  وبكل  هذا  الدور..  فماذا  تريد  منا؟..  سؤال  بسيط  ولا  نريد  منكم  إجابة  عنه،  بل  خففوا  فقط  ضغوطكم  التى ستؤدى  إلى  الانفجار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى