مقالات الأهرام العربى

رسالة مبارك فى آسيا

حدث تغيير فى عالم الشرق الأوسط، وفى المنطقة العربية، فالحركة الدءوب للزعماء العرب، أصبح محورها الاقتصاد، ولإحداث تغييرات جوهرية على صعيد حياة الإنسان، وكل من تابع جولة الرئيس حسنى مبارك فى آسيا، سيدرك أنها شملت أهم بلدانها سياسيا واقتصاديا، فقد ذهب إلى الصين القوى الكبرى بشريا، وذات الدور والثقل الاقتصادى الذى يرشحها لأن تكون القوة المنافسة للقوة العظمى فى عالمنا المعاصر، وانتقل إلى العملاق الاقتصادى اليابان، ثم إلى كوريا الجنوبية أكبر النمور الآسيوية، والزيارة حملت معنى الدأب المصرى، على تأكيد برامج  الإصلاح الاقتصادى، وجذب رءوس الأموال والشركات الآسيوية للاستثمار فى المناطق الجديدة التى تزرعها السياسة المصرية للتغيير الاقتصادى، فقد أصبح هدف مصر الانتقال من نسبة نمو ٥.٥٪ إلى ٧٪ بفتح أبواب الاستثمار، وإقامة المناطق الاقتصادية العملاقة فى سيناء وغرب السويس وشرق بورسعيد، وصولا إلى جنوب الوادى فى توشكى، الآفاق الكبرى أمام الاقتصاد المصرى حملها تقرير لـ »الإيكونومست«، رصد بدقة التحولات الكبرى فى مصر، وكيف أصبحت عملاقا يشار إلى تجربته فى التغيير والإصلاح والانتقال باهتمام وإعجاب من المنظمات الدولية.

وتجىء زيارة الرئيس مبارك الآسيوية لتؤكد على عمق السياسة المصرية لعلاقاتها الدولية، فالشراكة المصرية القوية مع الولايات المتحدة الأمريكية الشريك التجارى والاقتصادى المهم والأول لمصر، لم تمنعها من التفاوض مع أوروبا، وصولا إلى اتفاقية للتعاون الأوروبى ـ المصرى، فى إطار »أورومتوسطية«، وكل ذلك لم يتوقف أمام السعى المصرى الحثيث لإحداث تغيير إقليمى بارز على صعيد التعاون العربى والإفريقى، فوجدنا السياسة المصرية تفتح بابا ضخما للتعاون الإفريقى فى إطار مجموعة دول »الكوميسا«، وعلى الصعيد العربى، فإن السياسة المصرية كلها تركز على التعاون العربى، وإقامة السوق العربية المشتركة، وأبلغ دليل على الاهتمام المصرى بالصعيد العربى هو حرص الرئيس مبارك على أن ينهى جولته الآسيوية بزيارة »أبوظبى« ولقاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ـ وهذه رسالة واضحة تدل على أن السياسات المصرية سواء أكانت اقتصادية أو سياسية فهى تصب كلها لإعلاء الشأن العربى، وحَمْل رسالة العرب فى كل مكان يزوره،

وحَشْد الرأى العام العالمى وراء القضايا العربية، وصولا إلى تحقيق المصالح العربية المشروعة، تلك علامات مهمة حملتها جولة الرئيس مبارك فى آسيا، فقد أكد دعمه السياسى للصين واليابان، كقوى كبرى فى عالمنا المعاصر، وتستحقان أن تلعبا دورا أكثر أهمية فى السلام العالمى، والمشاركة فى قضاياها الكبرى، سواء على المسرح العالمى أو فى منطقة الشرق الأوسط، والسلام العربى ـ الإسرائيلى، وها هو رئيس أكبر دولة عربية يدعو أهم قطبين اقتصاديين وسياسيين فى العالم المعاصر، لكى يشاركا فى ضمان واستقرار أهم منطقة فى العالم، وهى الشرق الأوسط، ولكى يضمنا الدور العربى الرامى للسلام، وليكونا شاهدين على مسرح العمليات فى المنطقة العربية.

أما فى كوريا الجنوبية، فقد أرسل الرئيس مبارك إشارة اهتمام بالمشاكل العالقة مع كوريا الشمالية، وننتظر أن يكون لمصر وقائدها مبارك دور بارز فى تخفيف حدة التوتر فى الكوريتين، ومبعث أهمية هذه الرسالة أن الدور العربى والمصرى لا يقتصر على جذب الاهتمام بمشاكلنا ومنطقتنا فقط، لكن الاهتمام بالقضايا العالمية ونقاط التوتر، ومشاركتنا فى وضع حلول لها، واستخدام المكانة العالمية والمتميزة التى يتمتع بها الرئيس مبارك على الصعيد العالمى، مما يزيد من مصداقيتنا، ويُعزز التعاون الدولى مع عالمنا اقتصاديا وسياسيا، ونستطيع أن نصف هذه الزيارة بأنها نجحت من جميع جوانبها السياسية والاقتصادية، فقد فتحت أمام الاقتصاد المصرى بابا مهما للاستثمار والتجارة، واستكملت حلقات تعاونها الإقليمى والعالمى، وفى نفس الوقت وجهت أنظار الجانب الآسيوى القوى »سواء فى الصين أو اليابان أو كوريا« إلى أهمية السلام والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، ونعتقد ـ بما لا يسمح بمجال للشك ـ أن التطورات الإقليمية فى منطقتنا كانت فى حاجة إلى الدور الآسيوى لتكتمل حلقات الضغط العربى، للوصول إلى استقرار فى منطقة الشرق الأوسط، ليس على صعيد السلام الفلسطينى ـ الإسرائيلى فقط، ففى منطقتنا قلاقل عديدة لعل أبرزها الأزمة العراقية، وتأخر السلام على المحور السورى واللبنانى، وأزمات أخرى.. متفجرة، وقد تتصاعد فى السودان وليبيا، وأوضاع منطقتنا تعوم على بحيرة المشاكل الاقتصادية، وهناك قوى عديدة تتربص ببلدانها، تتمنى فشل تجارب الاعتدال والتنمية وبناء النظم الاقتصادية الحديثة، والتطور الديمقراطى.

القوى المتربصة بالسلام والتنمية والاعتدال، والاستقرار عديدة، وفشل التعاون العالمى والدولى، سيفتح الباب واسعا أمام التوتر والإرهاب.

ومن هنا تكتسب جولة الرئيس مبارك وجولاته العديدة أهمية كبرى ومكانة عالمية متميزة، فهو القائد الحكيم القادر على حمل رسالة العرب والمصريين إلى العالم بوضوح وقوة واعتدال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى