سلام شارون

أصبح وضع السلام فى الشرق الأوسط شائكا.. كنت وكان البعض ينتظر تحولات مهمة.. حتى مؤتمر واشنطن، واجتماعات الرئيس كلينتون المجروح، والذى يحاول إنقاذ سلام الشرق الأوسط فى الوقت الضائع، إلى أن فاجأنا رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو بالرد البليغ.. السفاح والبلدوزر ـ بطل صابرا وشاتيلا .. بانى المستوطنات.. صاحب كل هذه الصفات مجتمعة، وهناك الكثير من الممكن أن نضيفه، لكن يكفى، فشارون اسمه، وقد تحول ليجلس فى موقع وزير الخارجية.. ممثل إسرائيل أمام المجتمع الدولى والمسئول عن إدارة التفاوض مع العرب، واستكمال مسيرة السلام، مجرد اختيار شارون ـ دون تدخل منا فى السياسة الداخلية الإسرائيلية ـ يعنى الكثير لنا، إذ كيف سيجلس شارون مع عرفات على مائدة مفاوضات واحدة، وهو يرفض أن يصافح الرئيس الفلسطينى، أو القائد الفلسطينى الذى يدفع ثمنا غاليا مقابل السلام الذى أصبح يتبناه عربيا وفلسطينيا، عرفات أصبح فى نظر الكثيرين من العرب مُفرِّطا فى الحق الفلسطينى.. وعرفات لا يقبله شارون فماذا ننتظر من رئيس الدبلوماسية الإسرائيلية القادم.. والتى كانت دائما تمثل الحد الأدنى، الذى كان من الممكن أن يقبله العرب، ثم أصبح ممثلها الآن شارون..
رسالة نيتانياهو إلى العرب واضحة.. فالسلام الذى يمثله وأصبح يسعى إليه شارون، قد انتهى وإننا إذا كنا قد وافقنا على إعطاء الفلسطينيين ٠١٪ من أراضيهم، و٣٪ محمية طبيعية.. فإن هذا يعنى الحل النهائى.. ولا تنتظروا منا أكثر من ذلك.
وأصبح من الواضح أن حكومة الليكود ورئيسها نيتانياهو وممثلها شارون، قد استقرت على شكل الأوضاع والعلاقات بينها وبين الفلسطينيين، وأن اتفاق واشنطن ـ والذى من الممكن أن يتم ـ والذى جاء بعد ٨١ شهرا من الأوضاع المتوترة والصعبة، قد وصل إلى آخر نقطة فى أوسلو التى انتهت فى ٥١ أكتوبر ٨٩٩١، وليس فى الرابع من مايو ٩٩٩١، كما نصت اتفاقيات أوسلو.. فالوضع الذى كان من الممكن أن يتوصلوا إليه أصبح منتهيا مع قدوم شارون.
وبالتالى فإن اتفاق أوسلو انتهى بحصيلة متواضعة للغاية.. فالفلسطينيون ليس تحت أيديهم إلا ٣٪ فقط من الضفة الغربية سيطرة تامة، بالإضافة إلى ٦٢٪ أخرى سيطرة مدنية.
وغزة تحت أيديهم منها ٠٦٪ فقط، أما المستوطنات والمستوطنون ـ فحدِّث ولا حرج ـ فلم يصبح هناك أى أمل فى ظل خط شارون ـ نيتانياهو أن يحدث أى تغيير.. و الصورة الماثلة الآن أكثر من مزعجة.. فالوضع الحالى يشير إلى أن بناء المستوطنات يسير بسرعة هائلة، فالاستيطان يصل إلى جميع مناطق الضفة الغربية، بعد ارتفاع المعدل فى الثمانىة عشر شهرا الأخيرة »حكومة نيتانياهو ـ شارون« بنسبة ٤،٢١٪، وهو ما يعادل ضعف المعدل السنوى فى عامى ٦٩٩١ و٧٩٩١، ليصل عددهم إلى ٠٧١ ألف مستوطن، وبالنسبة للقدس »محور الصراع العربى ـ الإسرائيلى«.. فقد أصبح لا يساور الشك أحدا فى أنه تم بالفعل سلخ القدس بعيدا عن الضفة الغربية.. بعد أن تم بناء طريق دائرى حول المدينة، ربطت من خلاله شبكة الطرق بين المستوطنات بالقدس الجنوبية والشمالية، وشبكة طرق أخرى تسد المدخل الجنوبى للقدس.
وأصبح موقف الأراضى الفلسطينية الممزقة يدعو إلى الرثاء.. فمدينة غزة منفصلة تماما عن الضفة الغربية.. والخليل منفصلة عن نابلس.. والضفة ممزقة، والقدس بعيدة.. فماذا سنفعل فى ظل هذا الكيان الممزق؟ هل من الممكن أن يعلن عرفات فى مايو المقبل دولة.. أيا كان رد الفعل الإسرائيلى؟ وهل هى دولة معقولة تسمح بشعور الفلسطينيين بحالة من الرضا عن الحالة السلمية.. أم أنه سلام معوج يهيىء الأوضاع للانفجار المسلح والدموى، والذى لا يمكن تجنبه؟
وهل يملك عرفات تقديم مزيد من التنازلات الفلسطينية؟ وهل إذا قدمت سيقبلها الفلسطينيون دون الإطاحة بعرفات الذى أثقلته الحروب و»هدَّه« السلام، وأصبح الرجل المريض فعلا وقولا.
إن إسرائيل »شارون ـ نيتانياهو« تضحى بآخر أوراق السلام وتحرق الرجل الذى ضحى من أجل السلام.. وتضع عرفات فى أتون تساؤلات لا يستطيع أن يتحملها، وأصبح ظهره للحائط، لا يستطيع أن يفعل شيئا، إلا أن يبدأ من جديد ويهرب إلى تونس، أو إلى أى بلد عربى آخر، ويعلن تقاعده.. ويترك الفرصة لأجيال جديدة ورموز أخرى تتعامل مع شارون ونيتانياهو، ولا يصادر على الفعل العربى، وليحفظ لنفسه آخر كروت تضع اسمه فى سجل الخالدين العرب، الذين كافحوا الاستعمار والعنصرية والتمييز فى أشد وأفتك أنواعه.. فالإسرائيليون وحكومتهم الحالية ترمز إلى أبغض العنصريين ودعاة الحروب وسفَّاكى الدماء، ونعتقد أن الصورة واضحة الآن أمام العالم، وأن شارون يكفينا كثيرا من التفكير والكلام.