عقل الأستاذة وقلب الأم

الرحيل حق وحقيقة.. والراحلة العزيزة التي فقدتها أسرة الأهرام الأستاذة نوال المحلاوي.. جمعت بين الطاقة والحيوية معا.. وهما شيئان إذا جمع الانسان أحدهما ضمن النجاح وحب الناس عبر مسيرة حياته.. فإذا أضفنا إليهما نقاء السريرة وصفاء القلب والذهن وغزارة العلم والمعرفة.. لاجتمعت المزايا في سيدة فاضلة.
كانت وظلت ملء السمع والمكانة طوال عمرها في الأهرام.. سمعنا عن قوة شخصيتها وقدرتها علي التحكم والادارة قبل أن نلتحق بالأهرام ــ عبر إدارتها لمكتب رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير الأستاذ هيكل والذي كان ظاهرة صحفية وسياسية اجتمعت معا ــ فأعطي وجودها وعملها وسلوكها خلال تلك الفترة زخما عاما ودورا بارزا في مجتمعها العام قبل مجتمعها الداخلي.
ثم كان من حظنا أن شهدنا الأستاذة نوال في إدارة عمل مستقلة.. فحققت الابداع الحقيقي, وظهرت معادن الشخصية المتكاملة.. ومارست الادارة بجدارة واقتدار.. وحققت مكانة يحسدها عليها الرجال..
وأصبحت مضرب الأمثال للسيدات العاملات في عصرنا الراهن.. فأدخلت الأهرام في مجال نشر الكتب.. وقدمت لمؤسستها إدارة عصرية بمعايير ومواصفات عالمية.. ولبلدها عصارة رحيق وعلم أهل الخبرة والفكر والأدب في أسلوب جمع بين عمق الفكرة وسلاسة العرض وجماله.. وحققت المعادلة الصعبة متعة القراءة وعمق الفائدة..
وفي سنوات قليلة أصبح للأهرام خبرة ومكانة في عالم النشر والكتب تتوازي مع مكانته في كل المجالات التي دخل فيها منذ أن أصبحت المؤسسة الظاهرة..
واجتمع للأستاذة نوال المحلاوي دوران فاعلان عبر عمرها المهني في مؤسسة الأهرام.. الأول المساعدة في الانتقال من مرحلة النشأة.. إلي المكانة والدور المتميز في محيطها والثاني في عصر العملقة والتوسع والانتشار الذي قاده الأستاذ نافع باقتدار وشمولية.. واستمر ابداع نوال المحلاوي ظاهرا ومتجددا ومستمرا حتي آخر يوم في حياتها. ولم يستطع المرض اللعين أن يخفي بريق عينيها وقوة عقلها وحيوية وتجدد دمائها فواصلت العمل بنفس الروح التي بدأت بها.. فأعطت لأجيالنا المتعاقبة درسا بل دروسا في معني الحياة مع العمل بلا كلل أو ملل قد يتسرب للنفس البشرية عبر صعوبات الحياة والمرض.. أما الأستاذة الانسانة الراحلة العزيزة نوال المحلاوي.. فسنظل نتحدث ونحكي ونروي لابنائنا وزملائنا كيف أحاطتنا جميعا شيوخا وأجيالا وسيطة وشابة برعايتها وحبها وأفكارها المتجددة والرشيقة والحية دوما وفي كل وقت.. لأنها كانت تملك الرؤية الصافية والعقل الكبير والخبرة الواسعة وغذت كل ذلك بالعلم الغزير والقراءة المستمرة.. فملكت حكمة.. واحتلت مكانة فريدة في قلوب كل من تعامل معها.. وخاصة الاهراميين.. الذين يشعرون اليوم بفداحة غيابها ولكنهم يقدرون ويحفظون مكانتها.. فحبها للأهرام انتقل اليهم.. ويسري في الدماء عملا من أجل المؤسسة والوطن..
رحم الله نوال المحلاوي وأعطاها وأجزل لها الثواب بقدر ما أعطت بعقل الأستاذة الواعية وقلب الأم الفريد في حبه وعطائه.