مقالات الأهرام العربى

سلام العرب أم سلام باراك؟!

بداية لا أراهن على سلام باراك، ولا أنتظر أن يأتى رئيس وزراء إسرائيل المنتخب بالسلام إلى العرب، على أى طبق بللورى أو فضى، وعدم رهانى على سلام باراك ليس مبعثه تعرفنا عليه فور انتخابه مباشرة، لكننى أراهن على سلام قادم من العرب، فهم الذين فتحوا طريق السلام للمنطقة وليس إسرائيل، فالسلام العربى حقيقة على الأرض، حتى ولو ظل المتشائمون يصرخون فى طول عالمنا العربى صراخا على ضعفنا وهواننا على الناس، وليس انتظارا للسلام الإسرائيلى القادم بعد الانتخابات، وإذا تساءلنا عن من يراهن على باراك؟ لكانت الإجابة ليس بالقطع العرب  الذين لم يخفوا ـ بالطبع ـ حماستهم لسقوط رئيس الوزراء السابق نيتانياهو، فهذا السقوط المدوى كشف للعرب وللمعتدلين فيهم صحة توجهاتهم، وأكد للمتطرفين فى إسرائيل فشلهم، ومع ذلك فإن من يراهنون على باراك هم الإسرائيليون أنفسهم، فالإسرائيليون استطاعوا فى لحظة الانتخابات الحاسمة إنقاذ مجتمعهم من التفتت، وتفاقم عزلتهم الدولية واستمرارية مشاكلهم الاقتصادية، فقد كان ـ وكما كشف بيريز نفسه ـ الاقتصاد الإسرائيلى هو الذى دفع ثمن تراجع السلام فقد تراجع معدل النمو من ٦٪ إلى ٢٪، ووصل معدل البطالة إلى ٥٢٪، وتدهورت علاقات إسرائيل مع أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط، وتلاشت وتجمدت علاقات إسرائيل العربية.

وما يؤكد صحة رؤيتنا على أن السلام العربى هو القادم، تلك الحركة الإيجابية التى نشاهدها على الصعيد العربى، وأبرز ملامحها، الدعوة التى تبناها الرئيس حسنى مبارك لدعوة الدول العربية المستفيدة مباشرة من السلام، والمعروفة بدول الطوق للاجتماع والتنسيق لخلق رؤية منسجمة بين جميع الأطراف »مصر وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين«، هذا التنسيق والرؤية المشتركة العربية هى التى تصنع السلام، وتضع حدودا لمساراته ولمستقبله، وكذلك القمة المنتظرة فى واشنطن بين مصر والأردن وفلسطين، وبحضور إسرائيل التنسيق العربى والمواجهة الحاسمة والصريحة لمستقبل المنطقة، هى التى تصنع السلام الحقيقى، وليست إسرائيل أو حكومة منتظرة أو رئيس الوزراء الجديد، فالرهان العربى على المستقبل وليس على أشخاص، بل على رؤية صحيحة لمسارات المواجهة فى العالم الراهن.

ولعلنا نكتشف أن »باراك« قد يكون يمينيا متطرفا، متخفيا فى زى عمالى يسارى، كما أشار بعض المراقبين، ففى هذه الحالة فإنه من الصعب عليه أن يتجنب مصير سلفه، وسوف نرى توجهاته فى تشكيل الحكومة الجديدة، فهو يواجه تحديات كبيرة يلخصها الخبراء فى أنه مطالب بأن يُدخل الأحزاب الإسرائيلية المختلفة فى إطار من الإجماع الوطنى الذى يقوم على معايير واضحة وليس على الجمع العشوائى بين الشىء ونقيضه.

وبالتالى فالحكومة المرتقبة ـ والتى سوف يتعامل معها العرب فى مفاوضات الحل النهائى للفلسطينيين، والسلام الناقص فى سوريا ولبنان ـ والتى سيتعين على باراك تشكيلها، سوف تكون تعددية من حيث الأحزاب التى ستنضم إليها، لكنها ستبقى موحدة من حيث السياسة التى ستتبعها، هذا إذا أراد أن يتجنب مصير سلفه الذى أسقطته التناقضات التى اتسمت بها سياسته، ولكى يتحقق هذا الإجماع، سيتعين على من يريد أن يدخل حكومة الوحدة الوطنية فى إسرائيل أن يدفع ثمن دخوله، والثمن يبدو غاليا، لكن التفويض الممنوح من الناخبين لباراك ييسر له أن يطلب هذا الثمن، فهو مفوض بإعادة الوحدة إلى إسرائيل، التى تمزقها الخلافات، وبإنهاء عزلتها، وبإعادة العلاقات إلى طبيعتها، خاصة مع الحليف القوى والأهم وهو الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل الانتخابات الإسرائيلية، والتحولات السياسية قد كشفت لليمين الإسرائيلى ـ خاصة الليكود الذى لقى هزيمة مباشرة ـ أن الثمن الذى لابد أن يدفعه هو أن يتخلى عن موقفه الرافض لتفكيك المستوطنات فى غزة والضفة، لأن الإصرار على ذلك يعنى أن التسوية مستحيلة على المسارات العربية، وعلى مستقبل السلام ككل.

ما يحتاجه باراك لكى ينجح ويحفظ إسرائيل ومستقبلها، هو الحصول على ثقة الأطراف العربية المحيطة بإسرائيل، وفى مقدمتها مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان، خاصة أن العرب جميعا يتكلمون الآن لغة واحدة ومتماسكة ومتسقة، وأن يتعامل مع المصاعب التى تكتنف العملية السلمية ولا يحولها إلى مستحيلات وثوابت، ولا يضخم من شعور اليهودى العادى بما يسميه الانتماء التاريخى إلى أرض، لابد من الإقرار بأن الشرعية الدولية تقتضى تسليمها إلى شعب آخر، هو الشعب الفلسطينى، وعليه ألا يحول »مطبات« السلام إلى جبال، تصعب إزالتها، فهو الرئيس المطالب بتمهيد الطريق إلى السلام.

وإذا كان باراك راغبا ـ حقا ـ فى ألا يحبط الذين راهنوا عليه من أبناء شعبه، فالطريق واضح أمامه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى