مقالات الأهرام العربى

مسلمون وديمقراطيون

فجرت الانتخابات البرلمانية فى إيران فكرة الربط بين الإسلام والديمقراطية.. ولعل أبرز ما أفرزته هذه الانتخابات، هو تغيير صورة إيران أمام العالم، وبروز وجه جديد لإيران خرج من عباءة الديكتاتورية »الخومينية« الدينية، التى كممت الأفواه، وأعدت لجيرانها فى ظاهرة غير مسبوقة منذ عقدين فتناً »دينية« عبئت فى أكياس جاهزة للتصدير.. الصورة الجديدة التى لمعت فى نهاية التسعينيات، وأشرقت فى الألفية الجديدة، هى رجل دين من طراز مختلف، يتكلم بالقرآن، لكنه يعرف كيف يخاطب الشباب والنساء، والأجيال المتحررة بلغة العصر، هو الرئيس خاتمى..

سار على النهج المعتدل، وفتح  بابا للثقافة والتحديث، مكن الثورة الإيرانية من أن تُرشد أداءها وتنتقل إلى مرحلة جديدة.. وهكذا  استطاعت إيران أن تضع قدميها على طريق التغيير الهادىء.. وأن تملك نخبة سياسية.. أجرت انتخابات نزيهة وشفافة.. وانتصر المعتدلون من التيار الدينى، والأهم من انتصارهم هو قبول المتشددون بهذا الانتصار وانسحابهم فى هدوء، وبدون عصبية أو تشنج أو تهديد لسلامة إيران، رغم أن المتشددين مازالوا يملكون »كروتا« كثيرة، ورموزهم تحتل مراكز حساسة فى صناعة القرار الإيرانى الرئيسى، ويستطيعون تهديد الديمقراطية الوليدة بل وتهميشها.

والتجربة فى إيران لم تتضح  بعد. ومازالت تطبخ على نار هادئة. ولعل ما نستطيع نحن أن نعبر عنه أن  إيران  الآن ليست الثورة الفظة الغليظة  التى كممت الأفواه، وحبست النساء، وألغت الشباب وأطفأت الأنوار. لكن شىاً جديداً ومختلفاً وملموساً هو الانتخابات النظيفة، صحيح أنها انتخابات ليست مطلقة أو مفتوحة، فمازال هناك الكثيرون المطردون من جنة الديمقراطية الإيرانية، هم المختلفون مع الثورة، والتيارات المختلفة مع الثورة الإسلامية التى انطلقت فى ٩٧٩١ ـ هى كل الليبراليين واليساريين، وكل من يرفض حكم رجال الدين وسلطتهم المطلقة على القرار.. ما حدث قد يكون إيجابيا فى نظر »للخارج« فإيران اليوم لا تحاول تصدير الثورة والفظاظة،  لكنها تحاول الاتشاح باللباس الديمقراطى..

مع استمرار سيطرة رجال الدين، وظهور ديمقراطية خاصة مصنوعة فى »الصوبة« الإىرانية الخاصة برجال الدين فقط.. وبالقطع ليست ديمقراطية ترضى الداخل الإيرانى، وأغلبية المثقفين ورجل الشارع فى إيران، لم يروا أنها انتخابات حرة وديمقراطية مفتوحة، كالتى نتطلع إليها فى الشرق أو نحلم بها للعالم الثالث، ولكنها للأمانة الشديدة ديمقراطية محترمة، رجال الدين الإيرانيون وزصحاب السلطة حددوا المجتمع الانتخابى الموالى لهم، ورصدوا أعضاءه فى كشوف محددة.. واستبعدوا أعداء النظام غير الموالين لرجال الدين، وأجروا انتخابات لاختيار أفضل العناصر والكفاءات الموالية.. هكذا يكون الوضوح والعملية الانتخابية النظيفة، ونعتبرها خطوة للأمام نحو التغيير والتصحيح.

وبالنسبة لنا فى العالم الإسلامى، نعتبر أن بناء النظام الديمقراطى الصحيح هو المستقبل الذى يجب أن نعمل كلنا بجد واجتهاد لإقامته.. والصورة الآن فى عالمنا غير متشائمة.. فالأندونيسيون نجحوا فى انتقال سلمى للسلطة بعيدا عن العسكريين، وبشكل ديمقراطى، ومازلنا نرصد التطورات الديمقراطية المشوبة بالحذر فى تركيا، وبالرغم من أنها ديمقراطية تحت حراسة الجيش، الذى يحمل فى أيديه تلويحا وتصريحا باستمرار بالفيتو ضد الإسلاميين، حتى لو كانوا معتدلين.

وهكذا فالعالم الإسلامى مازال يتطور نحو الديمقراطية، والمشكلة ليست فى الإسلام، كما يحاول المحللون الغربيون أن يطرحوا ذلك فى تحليلاتهم.

القضية تنحصر فى العالم الثالث الفقير أصلا الذى يحتاج إلى تنمية بشرية هائلة، وبناء مؤسسات اقتصادية أولا، ومؤسسات سياسية ديمقراطية، حتى لا يسقط فى هوة الفوضى، فالعالم الثالث فى حاجة إلى الاستقرار والبناء المؤسس.. حتى يستطيع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بدون تمثيل أو ادعاء.. والصعوبات الجمة التى تكتنفه لا يمكن التقليل من شأنها.. خاصة فى المجتمعات التى تتضارب فيها الثقافات.. وهناك دائما من يلوحون بسيطرة الإرهاب أو التطرف الذى قد يدفع مجتمعاتنا بعيدا عن التطور والنمو، بل قد يدفعها إلى أيدى تيارات لا تؤمن بالديمقراطية كوسيلة للحكم وتداول طبيعى وسلمى للسلطة. وإذا سقطت مجتمعاتنا فى أيدى هذه الفرق التى تدعى الديمقراطية أو تسعى إليها.. فإن ذلك يعنى السقوط الكبير.

ومن جانبى فإننى أرى أن مستقبل الديمقراطية والانتقال السلمى للسلطة فى العالم العربى يتطور، وحركة بناء المؤسسات السياسية قائمة على قدم وساق.. وهذه المؤسسات تتطور وتمارس ديمقراطية حقيقية.

ولا أريد تسمية البلدان.. لكننا نشهد حركة تطور ديمقراطى واسعة وحرية رأى كبيرة، وبناء المؤسسات السياسية، ولن نقع فريسة للفوضى أو الانجذاب نحو الاندفاع وراء تيارات تبغى جذبنا نحو مواقع للسقوط فريسة للفوضى والانهيار.. فحرية الرأى وبناء المؤسسات السياسية وتنظيم المجتمع وإعلاء شأن القانون وبناء نخبة سياسية وفكرية.. كلها تفتح الطريق أمام بناء ديمقراطى حقيقى، وتداول سلمى للسلطة.. بدون اضطرابات أو فوضى. ونرى من المنظور التاريخى أن الدول الإسلامية التى تخدم وتقدر ميراثها الدينى، تستطيع أن ترى الحقائق الاجتماعية المعاصرة، تعتبر من أكثر القوى الديناميكية القوية، القادرة على بناء النظام الديمقراطى والتأكيد على أن المسلمين ديمقراطيون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى