مقالات الأهرام العربى

لبنان أيقظ القوة الكامنة

وقفة العرب الأخيرة مع لبنان عكست قوة وقدرة شعوبنا على التأثير فى مسارات الأحداث والمواقف الصعبة، بل تصويب الاتجاهات، ولعلنا جميعا رأينا حالة الهيستيريا التى انتابت تل أبيب عقب زيارة الرئيس مبارك إلى بيروت، وما أعقبها من تطورات سياسية وإقليمية كان من أبرزها زيارة القادة العرب، والتعاطف الكبير الذى حصل عليه لبنان اقتصاديا وسياسيا، بالإضافة إلى قرار جامعة الدول العربية الصائب بعقد المجلس الوزارى لمجلس وزراء الخارجية العرب فى موقع الأحداث الساخنة فى قلب بيروت وقد جاء هذا الاجتماع المهم بعد مجلس وزراء الصحة العرب، وقد حمل هذان الاجتماعان للشارع العربى واللبنانى أن العرب قادرون على تحدى إسرائيل، ونقلت  هذه المواقف كلها  صورة العرب أمام المجتمع الدولى بمنظماته وقواه الصغرى والكبرى، بل أمام  إسرائيل على مائدة المفاوضات، وفى كل أشكال الصراع هذه التطورات نقلت الصراع العربى ـ الإسرائيلى فى المرحلة الراهنة نقلة نوعية وموضوعية شديدة القدرة والحساسية، وأثبتت قدرة العرب على التأثير، وأنهم يملكون أوراقا كثيرة لم تستخدم بعد فى لعبة الصراع، وفى الموقف الحالى.

ولا ينكر أحد قدرة المقاومة اللبنانية وبسالة الشعب اللبنانى فى قبول التحدى والتعامل مع الإسرائيليين، وقد استطاعت المقاومة أن تتعامل عسكريا مع إسرائيل، وتوجه لها ضربات موجعة على الأرض، أوقعت بها خسائر فى الجنود وبعقلانية شديدة احترمت المقاومة تفاهم إبريل ٦٩، ولم تستخدم الكاتيوشا على المستوطنات الإسرائيلية كلا الموقفين أثبتا قدرة المقاومة على أنها منظمة مثالية وليست ميليشيات وتستحق منا أن نرفع لها هاماتنا بالتقدير والاحترام، واستطاع الشعب اللبنانى أن يعبر عن طموحه ورؤيته المستقبلية للسلام بكفاءة واقتدار، ورفض قبول التأثير الإسرائيلى على معنوياته، كما رفض زرع بذور الفتنة بين المقاومة من جهة، وبين الأشقاء العرب من جهة أخرى،

فالأحداث الأخيرة وضرب البنية التحتية فى لبنان، حركت الموقف العربى ككل، وأحدثت تغييراً إيجابياً فى صورة وقدرة العرب، ولعل أبرز نتائجها تمثل فى اعتراف إسرائيل على لسان باراك ـ رئيس الوزراء الحالى ـ بوديعة رابين ـ رئيس الوزراء السابق ـ التى تلزمه بالانسحاب من الأراضى المحتلة فى الجولان، وهذا الاعتراف الصريح والعلنى هو القرار الوحيد المنقذو القادر على إخراج رئيس الوزراء الإسرائيلى من الموقف الصعب الذى وضع نفسه وبلاده فيه، وهو توقف المباحثات السورية ـ الإسرائيلية، وضرب لبنان، ونعتقد أن هذا الاعتراف سيكون المقدمة الأولى لعودة المفاوضين بعده إلى حلبة التفاوض، وأنه سيكون المقدمة لاقتراب الحل على الجبهة السورية واللبنانية، وسيفتح الآفاق الكثيرة والرحبة للتغيير فى الشرق الأوسط.

هذه التطوات حركت التضامن العربى والمفاوضات، وهى التى ستفتح الطريق إلى حل شامل، وعلينا أن نفهم أن الدرس الأخير »درس لبنان« يجب أن يعتد به العرب، ويجعلهم لا يستهينون بقدرتهم الجماعية، وتأثيرها على تغيير مجرى الأحداث، وبالتالى يجب أن يواصلوا الضغط حتى يصلوا إلى كامل الحقوق العربية، وتحديدا على الشق الفلسطينى، حتى يصححوا فى الألفية الجديدة »الغبن التاريخى« الذى وقع على الشعب الفلسطينى طوال قرن، فقد فيه الدولة والهوية، وتحول إلى شعب لاجىء ومشرد فى المعسكرات فى كل دول العالم.

والفلسطينيون لن يستطيعوا أن يقفوا وحدهم فى التفاوض، خاصة بعد أن يتوصل السوريون واللبنانيون إلى حل فى الشام ونتصور أن يصل الدعم  والتنسيق العربى الشامل إلى  حل للفلسطينيين، ونتساءل لماذا لا يكون لقاء القادة العرب فى القدس، وليكن فى بيت الشرق، أو الصلاة فى المسجد الأقصى يوم الجمعة، أو تنقل مؤتمرات وزراء الخارجية والصحة والعدل وكل الوزراء العرب ليعقدوا اجتماعاتهم المستقبلية فى غزة وأريحا وبيت لحم والقدس، حتى تشعر إسرائيل بأن الفلسطينيين يحصلون على دعم كل الشعوب العربية، وأن دعمهم لم يعد مقصورا على المصريين فقط، لكن كل دول الخليج والمغرب العربى ودول الشام، بما فيها سوريا ولبنان، وهكذا نجعل المباحثات الفردية جماعية،

ونحول إعلان التفاوض الحالى إلى قوة للعرب ـ بعد أن كان ضدهم، ويضعهم فى الموقف الأضعف، فى ظل موقف دولى مساند للإسرائيليين ـ فقد كنا نحن العرب نتفاوض فرادى أو دون تنسيق أو تعاون إقليمى، بل إن خلافاتنا أمام إسرائيل كانت تُستخدم ورقة  للعب على الأجنحة فى أحيان كثيرة لكن درس لبنان أيقظ الضمير العربى، وأعاده إلى الطريق السليم، وبعث النخوة العربية، وكشف عن قدرتنا الكامنة، ونعتقد أننا سوف نستطيع فى المستقبل تكرار درس لبنان، حتى نتخلص من مشاكلنا، التى ورثناها من القرن الماضى، ولعل أقواها وأبرزها ـ بعد قيام الدول الفلسطينية ـ مشكلة إنقاذ العراق وشعبه من حالة الموت البطىء التى يعيشها منذ أوائل التسعينيات حتى الآن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى