مقالات الأهرام العربى

عرب اليوم وعرب الأمس

لم أر هذه الرؤيا فى أثناء غفوة من نوم، لكن فى أثناء صحوة اليقظة، رأيت تغييرا شاملا على مسرح الحياة العربية، شواهده كثيرة، فقد كان طبيعيا منذ الثمانينيات إلى الآن، أن تشهد مصر حركة سياسية دءوبا، واجتماعات قمة متتابعة، فالحركة المصرية عرفت طريقها إلى المسرح العالمى، ودورها الإقليمى طوال الثمانينيات والتسعينيات دفاعا عن المكانة العربية ودورها المستقبلى فى منطقتنا، ففى السلام لها باع طويل، وكذل فإن دفاعها وتمسكها بمصالح العالم الثالث واضح، ولذلك لم يكن غريبا أن ينتهى منذ أيام مؤتمر قمة لمجموعة الـ 15 حضره زعماء أهم التكتلات الإقليمية فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وكان مبارك رئيسا لها، ومعه زعماء الجزائر ونيجيريا وأندونيسيا وماليزيا والأرجنتين وزيمبابوى والسنغال والبرازيل والهند وكينيا، وغيرها وهى أهم الدول فعالية وأكثرها كثافة سكانية، ونجح المؤتمر فى توجيه رسالة عالمية عن تضرر شعوب العالم الثالث من السياسات العالمية الراهنة، وطالب الدول الصناعية الثمانى الكبرى بالحوار مع دول الجنوب، وتوقف المؤتمر بدقة وفاعلية أمام ضرورة إصلاح الأوضاع المعيشية للدول الفقيرة، والسعى للوصول إلى نظام اقتصادى عادل، حدث ذلك فى مصر، وهذا الدور ليس جديدا عليها، فقد كانت هى البلد والقيادة التى تحملت صنع الدور العربى البارز، وهذه حقيقة تكررت فى مناطق أخرى.

الرئيس الجزائرى بوتفليقة خرج من الجزائر وبلاده تحت وطأة حرب طاحنة ضد الإرهاب وتحديث الدولة وجدناه فى باريس يقيم مصالحة تاريخية بين بلاده وأوروبا ويعيد ترتيب البيت المغاربى فى مباحثاته مع العقيد معمر القذافى لإحياء التجمع المغاربى وإعادة وبعث حيويته، والآن تلعب الجزائر دورا بارزا فى وقف الحرب الدائرة فى القرن الإفريقى بين إثيوبيا وإريتريا، فالجزائر تدفع وتراهن على مستقبل المنطقة بعد السلام، وتحث وتشارك فى تحفيز إسرائيل للوصول إلى بر الأمان العربى وتحقيق السلام على جميع المسارات فلسطينيا وسوريا ولبنانيا وترهن أى خطوات عملية مستقبلية للمنطقة فى مقابل تحقيق السلام العادل.

وإذا نظرنا إلى المشهد فى لبنان فمازالت احتفالات النصر تتوالى، وفعالية الدولة اللبنانية والمقاومة بارزة فى التفاوض مع الأمين العام للأمم المتحدة للوصول إلى اتفاق عادل حول »ترسيم الحدود« وتحقيق استقرار فى هذه المنطقة الحيوية من العالم العربى، التى شهدت حربا طاحنة وانهيارات وانقسامات استمرت أكثر من 35 عاما، ومازالت تعانى وستعانى الكثير حتى تصل إلى كامل الاستقرار والاستقلال.

وفى سوريا وبرغم كل الرهانات السابقة وآراء البعض يحدث انتقال سلمى للسلطة لجيل جديد، بعد 30 عاما من العيش فى ظل مناخ سياسى متقلب ومنافسات حزبية وعائلية، حيث التقت آراء المؤسسة العسكرية مع الحزب القوى مع رغبة الشارع فى اختيار »بشار الأسد«، وستخرج سوريا بقيادة جديدة، أراهن على أنها تضع المستقبل بحساباته السياسية قبل الاقتصادية أو المعلوماتية فى مكانه الصحيح، وسوف تكسب القيادة السورية الجديدة مستقبلها بتحرير الجولان ورفع أعلام الدولة السورية بعد 33  عاما من الاحتلال وتجميد المواقف، بل الحياة الداخلية انتظارا للتحرير، الذى تطلب حروبا ومفاوضات وتغييرا إقليميا صعبا، بل متقلبا، وكاد يكون المستحيل بعينه  إلى أن تغيرت الخريطة الإقليمية والعالمية لتفرض طريق التفاوض والوصول إلى سلام عادل، وقد قبل الجميع بهذه المعادلة، وبقى أن تكون هناك القدرة الخلاقة واليد القوية غير المرتعشة أو العقل الصحيح القادر على وضع المعادلات النظرية موضع التنفيذ الفعلى، لتنتهى الازدواجية والانفصام بين العقل والروح، تلك الحالة التى عاشت فيها القيادة السورية طويلا.

لتصبح البطولة الحقيقية هى القدرة على تحقيق حلم الشعوب فى بناء دولة حديثة ديمقراطية، وتحقيق طموح الإنسان ليعايش العصر بكل ما يموج فيه من تغييرات طاحنة، ويكون قادرا على المنافسة والوفاء بالتزاماته، بدلا من الهروب الطوعى الذى يلبسه ثوب البطولة بدون أن يقدم حلا واقعيا يقبله العقل ولو كان طويل المدى، فالحركة والحيوية والمواجهة هى سلاح الفرسان والأبطال الحقيقيين.

وهكذا صحوت لأجد فى قلب الجزيرة العربية حدثا فريدا آخر، فقد استطاع رئيس اليمن على عبدالله صالح والقيادة السعودية بقيادة الملك فهد والأمير عبدالله ولى العهد أن يرسموا الفرحة على الوجوه فى الشارعين السعودى واليمنى، بالوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود وإزالة كل أسباب الخلاف والتوتر بين الشعبين العربيين، وسوف تمكن هذه الاتفاقية البلدين من الدخول فى مشروعات كبيرة مشتركة لصالح الشعبين، بعد أن كانت هذه المشكلة حاجزا يعوق تطوير العلاقات و إنعاش فرص الاستثمار النفطى فى هذه المنطقة، مما أثر على مستقبل حركة الاستثمارات السعودية فى اليمن، وأثر على حياة المواطنين اليمنيين فى البحث عن فرص التوظيف والعمل فى السعودية، فى الحقيقة لقد اتخذت القيادتان خطوة جريئة عكست الحكمة واستشراف المستقبل، الذى يفرض التعاون الإقليمى وفتح الحدود للجميع من أجل الحركة والتعاون والبناء لصالح كل المنطقة.

ورغم بعض »الرتوش« التى تؤثر على مسارالعلاقات العربية، ولعل أهمها المعركة الدائرة بين قطر والبحرين داخل محكمة العدل الدولية حول جزر »حوار« التى كنا نتوقع أن تكون مكانا للتعاون والتنسيق بين الإماراتين الصغيرتين بدلا من تنافسهما حولها، خاصة أنهما جزءا لا يتجزأ من تكتل إقليمى بارز هو مجلس التعاون الخليجى.

ولولا أزمات أخرى مازالت تتفاعل فى السودان و ليبيا وحول الصحراء فى قلب المغرب، والأزمة الكبرى المجمدة فى العراق لحدث تحول عربى كبير.

مشاكلنا كبيرة وصعبة، ولن تنتهى بقيام الدولة الفلسطينية الصغيرة فى حضن الدولة القوية إسرائيل، لكن سوف تبدأ الحركة والمواجهة لكى يتخلص العرب من مشاكل الأمس، ونستطيع أن نقول إن قدرة عرب اليوم أقوى من قدرة عرب الأمس على تغيير واقعهم، وصنع واقع جديد يضعهم على الخريطة العالمية فى مكانهم الصحيح الذى يستحقونه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى