مقالات الأهرام العربى

القدس أولاً وأخيراً

القدس قضية وجود ومصير، ليس للشعب الفلسطينى وحده ولكن للعرب والمسلمين جميعاً، وليس من قبيل المبالغة التأكيد على هذه الحقيقة وإعادة ذكرها أو إقامة المؤتمرات حولها، ولكن تلك الحقيقة المؤكدة تفجرت أخيراً، وأشعلت الانتخابات الإسرائيلية عقب قرار الاتحاد الأوروبى، برفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائىل، والذى أبلغه السفير الألمانى فى تل أبيب لحكومة »نيتانياهو« فى إطار رده على منع دبلوماسيين أوروبيين من زيارة بيت الشرق فى القدس الشرقية.

وبلغت قوة الرفض الأوروبى، أنهم رفضوا الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل بما فى ذلك الشطر الغربى من المدينة المقدسة وأعادو التذكير بالقانون الدولى وبقرار التقسيم الصادر فى نوفمبر ٧٤٩١ حول تقسيم فلسطين وبتدويل القدس، وبلغت وضوح رسالتهم بتحديد  الأوروبيين بأنهم لن يقوموا بتغيير قواعد سلوكهم المتعلقة باللقاءات فى القدس، شارحين معنى التعاون على الجانب الفلسطينى وبيت الشرق ـ صاحب الحق الشرعى فى تمثيل هذه المدينة المقدسة للأديان السماوية الثلاثة الإسلام  والمسيحية واليهودية.

ومنذ هذه الرسالة تفجر الوضع داخل إسرائيل بالرفض على لسان شارون وزير الخارجية، وأعادت إسرائيل مقولاتها الخاسرة بالسيادة، والقدس عاصمة أبدية وموحدة ورفض إعادة التقسيم، مؤكدين على المقولات العدوانية التى ضمت مدينة القدس وبيت المقدس لإسرائيل عقب عدوان عام ٧٦٩١.

ولا يهمنا هنا رد الفعل الإسرائيلى أو دعاوى حكومة نيتانياهو وشارون، فهؤلاء خارجون على قواعد القانون الدولى وضد السلام والاستقرار فى المنطقة، وأفكارهم معلنة ولا تحتاج إلى تأكيد وشرح.

ولكن المعنى المهم الذى أبرزه الرد الأوروبى، هو الاختلاف فى الرؤى والاتجاهات بين الموقف الأمريكى والأوروبى للدور المستقبلى فى قضية الشرق الأوسط، وأن الصراع على القدس دخل مرحلة جديدة تستدعى الاهتمام والانتباه من العرب والمسلمين جميعاً.

هذا التطور يكشف عن قوة الموقف العربى وقدرته على التأثير فى الموقف الدولى وإجبار إسرائىل بكل فاعلياتها الداخلية، على التعامل مع قضية القدس والأراضى المحتلة العربية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، وأن العرب يملكون قدرة التأثير ودفع الولايات المتحدة وأوروبا لتحمل المسئوليات فى استكمال طريق السلام والتفاوض، فعندما وافق الفلسطينيون خلال أوسلو أن تكون قضية القدس رغم أهميتها القضايا المؤجلة وأن تكون أخيراً فى التفاوض، لم يكن ذلك تقليلاً من شأن القدس أو أهميتها لكل العرب والمسلمين، ولكن كان مفهوماً فى الوجدان العربي، أن النقاط الأكثر خلافا وتأثيرا فى السلام ككل، ستكون فى المراحل الأخيرة حتى يكتسب الطرفان ثقة وقدرة للتعامل مع بعضهما البعض ويقدران السلم والاستقرار فى المستقبل، وكان واضحاً للعرب أن عدم تسليم إسرائىل بالحق العربى والإسلامى فى القدس سيفجر المنطقة ككل، سيعود بنا إلى مرحلة الحروب ورفض السلام، وأن الأكثر تضرراً فى هذه الحالة ستكون إسرائيل، التى ستعود بنا إلى نقطة الصفر، بعد أن خطونا خطوات نحو الحل والاستقرار، وأن مسئولية أمريكا وأوروبا فى إجبار إسرائيل على الاعتراف بالحقوق العربية وعدم تجاهل قرارات الشرعية الدولية حول القدس والأراضى العربية المحتلة يرجع فى الأساس إلى أن الغرب هو المسئول عن إيجاد إسرائىل ومدها بالمال والسلاح وهو المسئول عن احتلالها للأراضى الفلسطينية والعربية.

كما أنه أصبح مسئولاً بالقطع عن دفع الفلسطينيين نحو السلام وسلوك طريق التفاوض وإنهاء المقاومة المسلحة، كما أن أمريكا وأوروبا أعطت للفلسطينيين ضمانات بأن السلم سيعيد لهم حقوقهم وأراضيهم المغتصبة.

وعلينا أن نعترف بأن الخطأ العربى، كان بالقبول بتأخير التفاوض حول القدس كبند أخير، فهى قضية أولى ولا تحتمل أن تكون أخيرة، وأنها لا تهم الفلسطينيين وحدهم، ولكن تهم كل العرب بل كل المسلمين، ولن يقبلوا أن تبسط إسرائيل نفوذها على المدينة المقدسة ” القدس ” فى ظل السلام وتعاون وتعامل إقليمى، فالقدس هى البوابة الذهبية للتعاون وللتسامح مع الإسرائيليين وقبولهم فى الشرق الأوسط ومنطقتنا وبيتنا.

القدس فى حاجة إلينا، وتستصرخ الضمير العربى والإسلامى أن يستيقظ ويتعامل مع قضيتها بروح مختلفة لا تحتمل التهاون أو التقصير، فنحن لن نكون مذنبين أمام أنفسنا فقط، بل أمام ضمائرنا الغائبة، وأمام مقدساتنا ومعتقداتنا، ولن يتسامح معنا التاريخ أو الأجيال القادمة، وحسابنا سيكون عسيراً، لمن يقبل أن تضيع القدس، ويقبل بالسلام أو حتى بالتعامل مع إسرائيل، وثيقة الدفاع عن القدس واستردادها لن يكتبها الفلسطينيون فقط، ولكن كل العرب والمسلمين، فهى فى حاجة إلى وفد عالمى يمثل فيها القوى الإسلامية والعربية للتفاوض مع الأمريكان والأوروبيين والإسرائيليين حول مستقبل القدس ومصيرها، إبرازا للحق العربى والإسلامى، فى مدينة الأديان ومسرى الرسول  وقبلة المسلمين الأولى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى