مقالات الأهرام العربى

سيناريوهات السلام من قمة واشنطن إلى قمة أوروبا وإفريقيا

عبر أسابيع متتابعة شهدنا دبلوماسية الرئيس مبارك، ومصر، لا تتوقف أو تهدأ، تثبت فاعليتها وقوتها على كل صعيد، تعاملت معه خاصة القوة العظمى الأولى »الولايات المتحدة« فى دفاعها عن سلام الشرق الأوسط وعن الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين.. مع قب عودته مباشرة جمع قادة أوروبا وإفريقيا فى أول مؤتمر قمة من نوعه.. ليعلن بوضوح فى إعلان القاهرة عام ٠٠٠٢ أنه لا تهميش لهذه القارة الغنية بما تملكه من أسباب عديدة تجعلها تحتل مكانتها فى النظام العالمى الراهن.

دبلوماسية مبارك ينتظرها فى المرحلة القادمة دور كبير للسلام الإقليمى فى الشرق الأوسط.. وقد أثبتت التجربة قدرته على النجاح وتحقيق أهدافه.. فصوت الدبلوماسية المصرية وصانعها الرئيس مبارك معبرة عن حقائق الأمور فى منطقة الشرق الأوسط بجلاء وقوة، فبالرغم من العلاقات الوثيقة بين مصر والولايات المتحدة، والترحيب الكبير الذى لقيه الرئيس مبارك فى واشنطن، فإن ذ لك لم يمنع مصر من الاختلاف مع السياسة الأمريكية فى ثلاث قضايا مهمة.

الأولى كانت سلام الشرق الأوسط، فقد التقت الرؤيتان معا فى ضرورة دعم عملية السلام وإحياء المفاوضات على المسار السورى واللبنانى. لكنها اختلفت معها حول دعمها للرؤية الإسرائيلية.. لمسارات التفاوض.. فالرؤية الأمريكية ترى أن الكرة فى الملعب السورى، فى حين أنها فى الملعب الإسرائيلى.. فقد حملت الرؤية الأمريكية على السوريين لرفضهم إبداء أية مرونة فى أثناء قمة جنيف.. وقالوا بوضوح إنهم أصروا على الانسحاب من مرتفعات الجولان بأكملها..حتى شاطىء بحيرة طبرية، وذلك قبل مناقشة القضايا الأمنية الحيوية مع إسرائيل. وأعقبوا ذلك بالحديث ـ بدون سبب مفهوم ـ عن خشية الإسرائيليين من تلويث السوريين لمصدرالمياه الرئيسى لإسرائيل.. أو المطالبة بجزء من مياه البحيرة.. أى تفاوض هذا وأى شروط؟ هل صاحب الحق يستطيع أن يفرط فى حقوقه قبل التفاوض؟ وأى سلام وهم يخشون تلويث المياه؟ وهل تلويث المياه ممكن؟

وبالنسبة إلى لبنان، فإن هناك وجهتى نظر مختلفتين كذلك وغير متطابقتين، فمصر تؤيد المقاومة اللبنانية المشروعة، والأمريكيون والإسرائيليون يعتبران المقاومة إرهابا غير مشروع، والتساؤل الآن ـ بالرغم من ترحيب الجميع بانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وتخطيطها لذلك مع نهاية يوليو القادم ـ ما مصير تلك المنطقة؟ هل ينتشر فيها الجيش السورى كما أذاع وزير الدفاع اللبنانى؟ أم تنتشر فيها قوات المقاومة اللبنانية كما هو متوقع؟ وإذا حدث أى من هذين السيناريوهين، فإن مستقبل المنطقة سيكون فى خطر.. والسلام سيصبح بعيدا مثل السراب قبل أن يضيع نهائيا.. وعلى الصعيد الفلسطينى فإن التطورات مختلفة، صحيح أن هناك حركة، لكنها بطيئة، بل شديدة البطء، وهناك احتمالات كثيرة لاستمرار انسحابات إسرائيلية من الضفة الغربية.. بل إن هناك احتمالات أكبر للقبول بالدولة الفلسطينية.. وتشير مصادر أنه بالنسبة لقضية القدس فإن ما يطرح على ذلك الصعيد كثير، وأن هناك صيغاً قد تؤدى إلى توسيع نطاق أراضى القدس، بحيث تصبح بعض المناطق خارج حدود المدينة الحالية عاصمة للدولة الجديدة.

أما ثانى قضايا الاختلاف فكانت حول العراق.. ومازالت الرؤية المصرية تؤكد على أن الشعب العراقى وحده هو الذى يتحمل أعباء الحصار الاقتصادى طوال تسعة أعوام من فرض العقوبات.. وأن هناك شعورا عربيا متزايدا بأن استمرار العقوبات يدفع ثمنه أطفال العراق، وأن مصر لا تقبل باستمرار هذه العقوبات، لأنها تؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى المنطقة، والتأثير عليها مستقبلا، بل إن التشدد مع العراق يساعد التيارات المتطرفة، ومازالت أمريكا تقف ضد هذه السياسة وتتصور أن برنامج »النفط مقابل الغذاء« يكفى لتحقيق الأهداف الإنسانية للشعب العراقى، وأن هناك رغبة أمريكية فى السيطرة على أموال الشعب العراقى لإبعادها عن يد صدام حسين وآلته العسكرية التى يملكها.

أما ثالث هذه القضايا الخلافية مع واشنطن فكانت السودان.. ومازالت مصر تصر على أن من حقها أن تدافع عن مبادرتها لحل المشكلة السودانية بمشاركة السودانيين وليس الولايات المتحدة، لأن السودانيين هم أصحاب المصلحة.. وقد نجحت مصر فى حماية مبادرتها، وجمع الأطراف السودانية فى القاهرة حول مستقبل السودان الجديد، وتتوقع المصادر المطلعة تغييرات كبيرة فى مستقبل السودان، وتفهما كبيرا من قبل السياسيين السودانيين على اختلاف انتماءاتهم، لخطورة المرحلة الراهنة. وإمكانات تجاوزها، والتغلب على الصعوبات برؤية سياسية مستنيرة.

دبلوماسية مبارك.. وصلت إلى نجاحات عديدة.. فقد دفعت الدور الأمريكى.. لكى يكون أكثر فاعلية فى مباحثات السلام القادمة للحد من تطلعات إسرائيل الراغبة فى تحجيم الدور الأمريكى، واستخدامه عند الحاجة فقط.. وسوف تلعب دورا فى المرحلة القادمة، لتنشيط التفاوض فى لقاءات مرتقبة لدعم سوريا، والدفاع عن وجهة نظرها فى الحصول على انسحاب إسرائيلى من الأراضى العربية المحتلة فى الجولان وجنوب لبنان.. مع تحقيق استقرار إقليمى.. يسمح بإقامة سلام عادل.. يخدم الشعوب، ولا يجدد عناصر الصراع الكامنة، التى تستثمرها قوى التطرف، لدفع المنطقة إلى حافة الاضطرابات والتوتر.

كما ا ستطاع الرئيس مبارك أن يحقق نجاحات كبيرة على صعيد التوسط فى السودان، وسوف تسفر نتائج مبادرته على هذا الصعيد عن نجاحات كبيرة.

أما على الصعيد الإفريقى.. فكان التحرك لإعادة التعاون بين دول المغرب العربى.. وسوف يحسب ذلك فى رصيد نجاح القمة الأوروبية ـ الإفريقية، التى جمعت بين زعماء المغرب العربى لأول مرة منذ أن تجمد هذا التجمع العربى البارز بسبب الخلافات بين أطرافه، خاصة بين المغرب والجزائر.

وإثارة الاهتمام بالقضايا الإفريقية، وتحديدا مسألة الديون، والعمل على تكوين آلية منتظمة للتعاون الأوروبى ـ الإفريقى.

كل هذه مؤشرات تدل على نجاح الدبلوماسية المصرية، وتثبت تطورها وتكيفها مع التطورات العالمية بكفاءة واقتدار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى