مقالات الأهرام العربى

عرفات.. الرئيس

»عرفات« مقاتل عربى صعب المراس.. لم تفلح حروب السنين و٠٥ عاما من النضال شابا، وشيخا الآن، فى أن تجعله يهدأ، أو يركن إلى ما حققه من عمل وإنجاز حقيقى.. من مقاتل بسيط بدأ العمل فى حجرات مغلقة، ومعه عدد بسيط من المقاتلين، إلى زعيم حركة ثورية.. يتحرك فى كل العواصم العربية.. كان يتحرك على الأرض من كل البلاد العربية المحيطة بإسرائيل، من مصر وسوريا والأردن ولبنان، أسس حركة الكفاح الفلسطينى المسلح، وأطلق شرارة الثورة فى كل أنحاء العالم العربى، وفى المغرب العربى كان له مقر، وفى الخليج العربى كان يتابع نشاطه فى كل بلدانه، أما فى الشرق فقد كان مستقرا فى مصر وسوريا ولبنان والأردن معا، وفى وقت واحد كان الجميع يتساءلون من أين لهذا الشاب كل هذا الوجود والفعالية؟

فى كل هذه البلاد كان موجودا ـ سياسيا ـ وعلى الأرض ـ مقاتلا ـ حصل على اعتراف عالمى بالهوية الفلسطينية.. عدد الدول التى اعترفت بمنظمته، أكثر من عدد الدول التى اعترفت بإسرائيل، نستطيع جميعا أن نقيس إنجاز عرفات على الأرض فى غزة الآن، وهو يمهد لمفاوضات الحل النهائى مع باراك، بحجم قوة خصمه ومكانته.. ومن هو؟

إن خصمه هو الصهيونية العالمية، ومن ورائها القوى الكبرى فى عالمنا المعاصر، بما تملك من أموال ومنظمات وقوة عسكرية.. استطاع »عرفات«، و»فتح«، و»منظمة التحرير الفلسطينية« وسط أجواء الخلافات والصراعات العربية، أن يحافظ على الهوية الفلسطينية، وكان التحدى هو الذى خلق الشرعية التى هو عليها الآن، وبها يتفاوض جميع العرب مع إسرائيل، وأصبح حقهم محفوظا وبرهانهم ساطعا.

دور عرفات البطولى لا يستطيع أحد أن ينكره، أو يزايد عليه، فهو مقاتل حقيقى، وسياسى من طراز فريد، ودخل تاريخ العظماء العرب فى القرن العشرين.

ولذلك كانت مفاجأتى.. أن تخرج عليه بعض الألسنة عربيا وفلسطينيا، وفى هذا الوقت  بالذات.. تُرى ماذا يريد هؤلاء؟ لا أريد هنا أن أتناول بالتعليق ما تفوه به وزير دفاع سوريا أو بالتحديد العماد طلاس.. فهو لا يستحق الرد عليه.. كما أن هذا الشخص رغم كل النياشين والأوسمة التى تقلدها، لا يأخذه أحد فى سوريا نفسها بالجدية المطلوبة.. إلا فى الشعر والغزل.. وتلك حقيقة وليست ردا على طلاس، وأخذت أحاول تفسير ذلك،

فتتبعت بعض التحليلات الغربية التى ركزت على الخلافات السورية ـ الفلسطينية، متصورة أن سوريا وراء ما قاله طلاس.. لكن المفاجأة الحقيقية كانت فى الوزير نفسه، الذى اكتشف أن هناك تغييرا حقيقيا فى سوريا، يتجه إلى إبراز دور الشباب وتغيير الأساليب السياسية القديمة، وأراد الرجل أن يثبت وجوده ويقول إنه مازال موجودا، أو إنه يمثل رقماً فى المعادلة الراهنة، والقادمة فى السياسة السورية، وأن يلفت الأنظار إلى دوره المستقبلى داخل سوريا وخارجها..

فهداه ذهنه إلى أنه بهجومه على عرفات بهذه اللغة بالغة الإسفاف، قد يحصل على رضا القيادة الغاضبة بعض الشىء من السياسات الفلسطينية الراهنة، أو يكسب فى الشارع العربى.. الذى  يريد أن يحقق المزيد من المكاسب فى صراعه  الراهن مع إسرائيل، وعندما اكتشف الوزير أن ما فعله خطيئة وليس خطأ.. لم يجد أمامه إلا أن ينفى ـ جملة وتفصيلا ـ ما قاله..  لكن الأخطر الآن.. أن الكل والذين يريدون أن يكونوا موجودين فى مفاوضات الحل النهائى.. خرجوا على عرفات محاولين تقليص نفوذه، أو مشاركته على طاولة المفاوضات، ولم يجدوا أمامهم إلا اتهامه بالخيانة، وأنه شخص معدوم الخيارات، وانتقل الحوار إلى الحديث عن سلطة عرفات وهل هى شرعية أم لا؟ بل إن التساؤل أصبح. من يمثل عرفات؟

هكذا نحن فى العالم العربى أو بعضنا.. مازال يتعامل مع المتغيرات والسياسة الحديثة بعقليات قديمة.. بل يهيل التراب على ما نملكه من أرض وإنجاز تحقق.. لمجرد أننا عاجزون عن أن نفهم ما يدور حولنا، وما نملكه من إمكانات، وقدراتنا محدودة على التنسيق والتعاون، وتقسيم الأدوار، مع أن خصمنا أو عدونا السابق،الذى ينازعنا على الأرض والمياه والحياة.. ليس سهلا أو ضعيفا، لكنه يملك كل الإمكانات والقدرات والعقول.. ويجيد توظيفها وتحقيق أهدافه، ونحن العرب ينقصنا الكثير من إمكاناته وقدراته.. فإذا أضفنا إليها صراعاتنا الداخلية ولغة العماد طلاس التى أعجز عن توصيفها.. واتهامات التخوين والجاسوسية والعمالة والتصفية.. لاتضح أمامنا حجم العجز العربى الذى نعيشه، واستطعنا بوضوح تشخيص أسباب الفشل العربى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى