مقالات الأهرام العربى

الأوبك وقمة نيويورك

هل وضعت دول الأوبك نهاية سعيدة للأسواق المتعطِّشة إلى زيادة الإنتاج من البترول بزيادة الحصة إلى 800 ألف برميل؟ الأسواق استقبلت الزيادة بالكتمان والخوف من المجهول والشتاء على الأبواب، وأيضا من باب استمرار الضغط على دول المنظمة المنتجة للبترول، ومحاولة اعتبارها من منظمات الماضى، وأن الأسواق المعاصرة لا تحتاج إليها، فى حين أن المنتجين للبترول ـ أعضاء الأوبك ـ يركزون كل همهم حاليا على مساعدة المستهلكين، أكثر من تركيزهم على مصالحهم، فهم المهتمون بخفض الأسعار.

وقد تغيرت سلوكيات وسياسات أوبك التى ظهرت للحياة منذ 40 عاما للدفاع عن مصالح المنتجين، وفى السنوات الأخيرة أصبحت »أوبك« آلية من آليات تنظيم الأسواق، وتحديد الأسعار، وحماية الدول الكبرى المستهلكة للبترول أكثر منها منظمة للمنتجين.

لكن يبدو أن ثورة المستهلكين ليست على أوبك، لكن على زمن البترول الرخيص الذى ذهب ولن يعود، فمنذ عامين كان سعر البرميل لا يتجاوز 10 دولارات، واليوم ارتفع إلى ما بين 30 و35 دولارا للبرميل، ورغم مجهودات الدول المنتجة لزيادة كميات الإنتاج للحفاظ على سعر لايتجاوز ما بين 25 إلى 28 دولار للبرميل، إلا أن مجهودات »أوبك« لن تفلح، وسيظل البترول فى حدود 30 دولار للبرميل، بعد أن أدركت الدول الصناعية عدم قدرتها على استخدام طاقة أرخص من البترول.

والوقت الآن يدق أجراس التهديد والإنذار، ليس للمستهلكين للبترول فقط، فالأسعار الجديدة تهددهم بالتضخم، بل إن بنوكهم المركزية تقف عاجزة عن كبح جماح الطلب، وبالتالى دفع أسعار البترول إلى الانخفاض مرة أخرى، كما ظهر أن ارتفاع أسعار التجزئة للبترول ـ وهى ليست مسئولية الدول المنتجة فقط، لكن بسبب الضرائب المتزايدة من الحكومات الأوروبية والأمريكية على النفط ـ سوف يؤثر بشكل سلبى على الاستقرار السياسى، ويخلق مشاكل للأحزاب الحاكمة وللحكومات، وقد ظهر ذلك من المظاهرات والإضرابات التى شملت بلدانا أوروبية عديدة.

لكن الأجراس تدق بشكل أكثر تهديدا للدول النفطية، خاصة العربية، التى عليها أن تستعد للفورة القادمة وانتعاش أسعار المادة الخام الوحيدة التى تؤثر فى اقتصادياتها وهى البترول.

وهذه الأجراس تهدف إلى الاهتمام والاستفادة من هذا التطور الاقتصادى الكبير الذى ينتظر أسواقنا بعد عودة سلعة النفط إلى مكانتها السعرية المميزة، فقد أصبح واضحا أن اجتماع دول الأوبك والدول المستهلكة على رأى واحد، لن يوقف ارتفاع أسعار النفط، فالزيادات التى طرأت فى اجتماع أوبك الأخيرة ليست جديدة، فقد كان لتدخل الدول الخليجية ـ وتحديدا السعودية التى أقدمت على زيادة إنتاجها وضخت إلى السوق النفطية بحوالى 600 ألف برميل إضافيةيوميا منذ يوليو الماضى أثر فى تهدئة الأسعار، والزيادة الجديدة هى تقنين للوضع القائم فى الأسواق، مما يعنى أن عصر الوفرة البترولية يدخل، ولن تستطيع القوى الكبرى أو غيرها وقفه، وكل ما تستطيعه الحد منه وترويضه، حتى لا يتم ترويع الأسواق المستهلكة، وذلك هدف سام يجب أن نسعى إليه جميعا، فالدولة المنتجة فى حاجة إلى تعاون مثمر حقيقى مع المستهلكين، للحفاظ على الإنتاج واستمراره، وفى نفس الوقت حماية مصالح المستلهكين، وتلك لغة جديدة تسود عالمنا المعاصر، وهى وحدة المصالح.

ولم يبق أمامنا إلا أن نستفيد اقتصاديا، إلى أقصى درجة ممكنة، من الظروف الجديدة التى ستفرزها عودة الأسعار البترولية إلى وضعها الطبيعى، فقد حققت أوبك عائدات بعد السعر 30 دولارا 250 مليار دولار هذا العام، وهو أكثر من ضعف المستوى فى عام 1998.

ولعل الوضع الذى ظهر عقب اجتماعات الأوبك والتعاون المثمر بين المنتجين والمستهلكين، للحفاظ على سعر معتدل يحفظ حقوق الجميع، وهو ما عكسه المناخ الإيجابى الذى ساد المجتمع الدولى عقب قمة الألفية فى نيويورك، التى ضمت 160 زعيما ورئيس دولة، وهى قمة قدمت للعالم وجها جديدا أكثر إنسانية، بعد أن عشنا جميعا مساوىء العولمة، وما يستتبعها من الوجه القبيح من أنها »سياسة إغناء الأغنياء، وإفقار الفقراء«، فإذا بنا نجد أن زعماء العالم قد اجتمعوا، وكان الفقراء مادتهم الأساسية.

وكانت ورش العمل فى نيويورك أفضل من سابقاتها التى عقدت فى عام 1995 بمناسبة مرور 50 عاما على إنشاء الأمم المتحدة، ولو حققت هذه القمة هدفا واحدا فقط، ركزت عليه، هو أنه بحلول 2015 تنقص نسبة الفقراء الذين يعيشون على أقل من دولار ونصف الدولار فى اليوم، بمعدل الربع، وتأمين التعليم الابتدائى للجميع، وتبنى سياسات عدم فرض ضرائب على صادرات الدول الأقل نموا، وأن يكون الأغنياء أكثر كرما بشأن إلغاء ديون الفقراء، فإن هذه القمة سيكتب لها تاريخ بأنها نقطة تحُّول فى مسار العالم، ولغة جديدة فى التعامل بين الأغنياء والفقراء فى عالمنا.

وإننا كعرب نشعر بالغبن لأن قمة الألفية لم تقدم شيئا لنا، فالقضية الفلسطينية مازالت تراوح مكانها، والفلسطينيون لم يحصلوا على دولتهم بعد كعضو فاعل فى المجتمع الدولى، بعد 50 عاما من الظلم والغبن من الجميع، بل أصبحت لنا دولة أخرى هى العراق، الذى يقع فريسة للحصار والضياع، وشعبه تهدده المجاعة، والسبب هو قرارات الأمم المتحدة التى كانت تقصد عقاب صدام، فعاقبت الشعب العراقى.

يبقى الشىء الوحيد الذى يشعرنا بوحدة العرب وهو الاقتراح الذى تقدم به الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولى العهد السعودى، بأن يكون للمجموعة العربية، مقعد دائم فى مجلس الأمن فى التخطيط المستقبلى لتغيير هيكلة وأسلوب إدارة الأمم المتحدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى