مقالات الأهرام العربى

الحجاب فى تركيا.. والجلباب فى مصر..

توقفت أمام حدثين رمزيين تركا فى خيالى أثراً لقضايا كبيرة، كان الحدث الأول قضية متفجرة جرت فى تركيا أو بالتحديد فى الجلسة الافتتاحية للبرلمان التركى الجديد، وكانت حول »الحجاب«، أما الحدث الآخر فهو صورة عابرة من البرلمان المصرى ومحورها ـ هى الأخرى ـ رمزى، وكان »الجلباب«، الحدثان ليس هناك رابط  بينهما إلا فى رمزيتهما، وفى كيفية معالجة البلدين للقضايا القديمة، والاتجاه إلى المعاصرة، وتلخص ما لها فى ذهنى، وهى أن التغيير الاجتماعى والتقدم الإنسانى يجب ألا  يرتبط ـ بالقطع ـ بأشكال رمزية، وأن الحجاب والجلباب يجب ألا يظلا ممثلين فى ذهننا لنمط فكرى ينتمى إلى عصر مضى، وأنهما يخفيان فى سياجهما أنماطاً أو أشخاصاً معاصرين يعيشون فى جلباب الماضى.

نتوقف أمام الحدث الأول ببعض التفاصيل وردود الأفعال، ففى تركيا وقف أعضاء البرلمان يطالبون النائبة المنتخبة مروة كاوقجى »حزب الفضيلة« بالخروج من قاعة المجلس لأنها تتحدى الحكومة والدولة التركية بحجابها ـ وشاركهم رئيس  الحكومة وصاحب الأغلبية فى البرلمان بولنت أجاويد ـ الذى صاح فيها مشاركا صيحات الخروج، مشيرا إلى أن ما تمثله النائبة المحجبة هو تحد لقواعد الدولة ـ حسب رأيه ـ وطالب باسم أعلى سلطة فى البلاد بعدم السماح للنائبة بحضور الجلسة بالحجاب، ولم يكتفوا بهذا الاستعراض القوى الذى جمع حزبى الأغلبية »اليسار«، و»الحركة القومية المتطرفة«، لإجبار النائبة المحجبة على خلع حجابها، أسوة بالنائبة الأخرى نسرين أدمال، التى خلعت الحجاب على باب البرلمان، وجلست حاسرة الرأس، بعد أن جمعت أصوات منطقة »أنطاليا« وهى ترتدى الحجاب طيلة الحملة الانتخابية، وهكذا يكرّس »البرلمان« لعبة الغش الانتخابى، ويجبر النواب على أن يلعبوا على الناخبين لعبتين فى وقت واحد، ولم تنته معركة الحجاب فى الشارع التركى وفى البرلمان،

وسوف تشهد تركيا صراعا حادا حول مشروعية ارتداء الحجاب داخل البرلمان، لخلو لائحته من أية مادة تحظر ارتداء غطاء الرأس، الذى تحظر القوانين التركية العلمانية ارتداءه للعاملات بالدولة والمدرسات، ودخلت المناقشات البرلمانية مرحلة  غير معقولة، مثيرة فى طياتها، وتحمل دلالة على الانشغال بقضايا فرعية لا تمثل للبرلمان أو الدولة حوارا صحيَا يدفع فى اتجاه تطور المجتمع ونمو الدولة ومواجهة مشاكلها الاقتصادية والسياسية، بل تذهب المناقشات بعيداً، إلى قضايا من نوع أن اللائحة فرضت على النائب أن يرتدى »جاكت ورابطة عنق« ولم يرد ذكر البنطلون،

ومع ذلك ليس من المعقول أن يدخل النائب البرلمان ـ بدون بنطلون ـ وهكذا يتفاعل صراع الحجاب ليخفى بداخله صراعا تركيا عميقا حول مستقبل العلمانية، ويكشف أن الدولة التركية الحديثة لم تستطع بأساليبها العديدة قمع التيار الدينى، أو إخفاء رغبة الشعب التركى الدفينة للتواصل مع حضارته الإسلامية وتاريخه، ولعل احتفال تركيا هذا العام بالدولة العثمانية يكشف العمق التاريخى لهذه الدولة، ويدعو الدولة التركية إلى إعادة النظر فى أسلوب تعاملها مع الطموح المشروع للشعب التركى للتواصل مع تاريخه.

أما القضية الأخرى والتى لها دلالة، ولو رمزية، فقد كانت فى البرلمان المصرى، وكان محورها »أصحاب الجلاليب« ـ والتى أثارها النائب الذكى والدءوب، والذى لا أخفى إعجابى به »د. زكريا عزمى« ـ ومصدر الإعجاب هو قدرته على الفصل بين دوره البرلمانى ومنصبه الرسمى، فتحس فى ممارسته البرلمانية أنك أمام معارض مستنير، وليس صاحب منصب رسمى رفيع، وكان لهذا الفصل الواضح بين طبيعة العملين أثره الجلى فى نجاحه فى كلا العملين، وفى استقامة دوره العام، وقد أثار فى معرض مطالبه بتصحيح سير أعمال شبكات الصرف، عند وصفه المقاولين الذىن يعملون بها بـ »أصحاب الجلاليب« للتدليل على ضعفهم وعدم قدرتهم على استكمال الأعمال، وحينئذٍ أثار تعليقه النواب »أصحاب الجلاليب« وعددهم ٠١ أعضاء بالمجلس، فصاح أحدهم »يا دكتور الجلابية زِىّ قومى ولا علاقة لها بالأداء بين البدلة والجلابية« فسارع د. عزمى بتصحيح سوء الفهم قائلا أنا فلاح، وأهلى من أصحاب الجلاليب، وكل التقدير للجلابية ومن يرتديها، وانضم إليه د. فتحى سرور ـ رئيس مجلس الشعب ـ مازحا إلا جلابية النائب العيسوى، فهى أعلى من الدلة.

وهكذا كشفت هذه الواقعة أن العُقَد الداخلية بين الأصالة والمعاصرة فى مجتمعنا تختفى تدريجيا، وأن هناك تواصلا حضارىا بديعا يتم تحت السطح، ويتفاعل ويتبلور بين القديم والجديد بلا صراع حاد، وأن التطور فى مجتمعنا المصرى يسير بطريقة طبيعية، بلا حِدَّة أو صراع، وأن المواجهة الداخلية التى تمت فى مصر ضد الإرهاب وعناصره لم تكن مواجهة ضد القديم، إلا عندما حمل السلاح ضد المجتمع وأراد أن يقف ضد تطوره ومستقبله.

القصتان رغما عن حدة الأولى وصراعها الداخلى الصعب، وطرافة الثانىة وعبورها السهل، كشفتا كيفية مواجهة المعضلات التاريخية وموروثات الماضى، وطرق الاندماج مع التغيير والتطور والحداثة والاندماج فى المتغيرات العالمية الحديثة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى