الدولة الفلسطينية بين الانتفاضة وقمة دولية وعربية

أرى المنطقة العربية فى أحرج لحظات تاريخها المعاصر، وهى تتجه إلى القمة المنتظرة، لتعطى للعالم صورة العرب 2000، وهل يخرجون من أزماتهم المتلاحقة؟ وكيف سيكون تصرفهم مع أنبل ظاهرة عربية كشفت المعدن العربى الأصيل، وهو عظمة الشعب الفلسطينى بكل طوائفه وأعماره فى انتفاضة الأقصى الشريف.
الشعب الفلسطينى كله أبطال حتى الأطفال العزل إلا من الشجاعة والحجارة ـ وهم يواجهون الغطرسة الإسرائيلية، والدبابات والمصفحات والطائرات، ويصممون على انتزاع حريتهم، وإعلان دولتهم ـ رفضوا الذل والهوان، كشفوا الوجه القبيح للعنصرية والتمييز، عروا الدولة الصهيونية التى تقتل الأطفال، نساء وأطفالا وشبابا، وضعوا العسكرية الإسرائيلية فى أكبر مأزق تاريخى، من الممكن أن يتعرض له عسكرى. عندما يرى نفسه يستأسد على الأعزل والضعيف.
جيش، يتكلمون عن أسطوريته، يقاتل فى الشوارع، يعجز عن فرض إرادته وسطوته، حتى ولو حققها فإنها تكشف عن عجزه وضعفه لأنه جيش يقاتل من أجل أن يفرض الجوع والتخويف، أى جيش هذا؟ وأى دين ينتمون إليه؟
أشك أنهم يهود، فاليهودية دين سماوى، له فى شرائعنا وأدياننا ـ إسلامىة ومسيحىة ـ كل الاحترام والتقدير.
لكنهم اليهود المعاصرون الذين أخذوا من اليهودية جنسية لفرض الظلم والابتزاز على العالم، يستحلون كل شىء حتى قتل الأطفال والنساء، ملأوا الدنيا ضجيجاً بأنهم ضحايا النازيين، وضحايا الحرب العالمية الثانية، وأقاموا كل النصب التذكارية والقوانين التى تمجد وتحمى الأسطورة التى عاشوا على ذكراها، فإذا بهم طوال القرن العشرين والقرن الجديد، يصبحون هم رموز النازية الجديدة، والعنصرية الفجة.
سقطت العنصرية والتمييز فى أمريكا وجنوب إفريقيا، استرد الأسود مكانته بين كل الأجناس الأبيض والأصفر فإذا ببنى إسرائىل يفرضون عنصرية جديدة، عنصرية اليهودية ضد العرب، واختاروا لأنفسهم جنساً مميزاً يضطهد الآخرين ويحمى العنصرية فى عصر المساواة وحقوق الإنسان.
فجاءت الانتفاضة الفلسطينية، لتكشف العنصريين والنازيين الجدد بكل فجاجتهم، وغلظة قلوبهم، أمام الرأى العام العالمى، الذى انتفض ولم يصدق ما يراه أمام أعينه، وتحت سمع وبصر كل الشاشات والكاميرات والميكروفونات التى تلتقط كل شىء، من الطوبة الصغيرة إلى الدبابة إلى الطائرة، ومن ركلة القدم فى صدور الأطفال والنساء، إلى أنهار الدماء التى تسيل، وتروى شوارع القدس ونابلس ورام الله، وكل مدن الضفة الغربية، حتى أراضى فلسطين المحتلة منذ 1948، شهدت خروج مليون عربى يرفضون لأول مرة معاملتهم، كجنس أدنى ليست له مكانة ومعاملة اليهود فى الدولة العنصرية.
منذ 28 سبتمبر وليس هناك صوت أو عقل يفكر فى العالم العربى إلا فى كيف نحمى الانتفاضة وكيف ندعمها، اختلطت الأصوات وعلت النبرات، البعض طالب بالحرب والقتال، ولكن الوعى والحكمة، كشفا عن أن ما فى أيدى العرب الكثير ليستخدموه، ويجبروا إسرائيل على أن تعود إلى صوت الحق والحكمة، والذى هو فى مصلحتها لأنها لا تستطيع مهما أوتيت من قوة، أن تفرض شروطها على شعب أبى إلا الاستقلال وإعلان دولته الحرة.
فشهدنا قمتين الأولى دولية فى شرم الشيخ، والثانية عربية فى القاهرة، قاد هذا التحرك الفعال الرئيس حسنى مبارك، وقد نجح هذا التحرك فى أن يأتى إلى المنطقة برئيس الولايات المتحدة، وممثل الاتحاد الأوروبى والأمين العام للأمم المتحدة، لنضع الحقائق أمام العالم، الذى عرف المعتدى والمُعْتَدى عليه، ولم يكن مطلوباً من هذا القمة أن تحصل للفلسطينيين على كامل حقوقهم، فهى قمة لكشف المعتدى، وحماية الشعب المعتدى عليه، ومطالبة القوى الكبرى والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى أن يعرف الكل مواقفهم، وترى هذه القوى إسرائيل على صورتها الحقيقية دولة معتدية، تستخدم القوة التى ضُخّتْ إليها من العالم بلا قيد أو شرط لإجبار شعب أعزل على التنازل عن حقوقه والتسليم بشروط المعتدى مسمية ذلك طريق السلام.
نجحت القمة الدولية فى الحصول للفلسطينيين على شرعية المقاومة أمام العالم.
وأصبحنا فى انتظار قمة العرب، وهذه قمة حيوية لأن الانتفاضة والفلسطينيين يعلنون هذا بصراحة أن الانتفاضة تحت حماية القمة العربية.
القمتان شرم الشيخ والقمة العربية عملان يستحقان التقدير لقيادة الرئىس حسنى مبارك التى تعمل بكل جهد وتفان، من أجل حماية ثورة الشعب الفلسطينى ودعم الانتفاضة وحماية ظهرها، وتوظيف القوى العربية فى هنا الوقت الحساس من القضية العربية، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وحماية حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى الذى طال انتظاره.
وأتصور أن انتفاضة الأقصى، وما يعقبها من توظيف سياسى علمى ودقيق ومحسوب، سوف تصل إلى أهدافها ويجب أن ترتفع درجات حساسيتنا فى هذا الوقت الدقيق لأننا نقترب من نقطة عظيمة فى تاريخنا وهى الدولة الفلسطينية وقد دفعنا جميعاً ثمناً غالياً، فليس هناك أغلى من دماء الشهداء، وأبطال وأطفال الحجارة.