الديمقراطية فى العالم الإسلامى حركة أندونيسيا وانقلاب باكستان

سوف يظل رأى السيدة »بنازير بوتو« ـ رئيسة الوزراء السابقة فى باكستان ـ فى أن »الانقلاب العسكرى فى بلادها سيكون فرصة للديمقراطية« محلا للاختبار وإثارة الجدل والحوار، حول قدرة العسكريين على العودة إلى مواقعهم السابقة.
وترك السلطة للسياسيين من جديد، بالرغم مما شاب الحياة السياسية من قصور وضعف، بل انهيار وخراب على يد رئيس الوزراء »نواز شريف« الذى أطاح به العسكريون،، نستطيع أن نصفه بأنه لم يكن ديمقراطيا على الإطلاق، بل انتهازيا، وثب إلى الحكم عن طريق شرعى، ثم استغله لضرب المؤسسات الضعيفة أصلا، لكى يبنى عن طريق الديمقراطية فاشستية جديدة فى بلاده، وهى فكرة قديمة وليست بدعاً، فقد لجأ إليها زعماء كثيرون، لكن فى القرن الماضى.
نسى نواز شريف أننا فى عصر جديد لا يتحمل الكذب أو التجمل طويلا، وبذلك أضاف رئيس الوزراء الباكستانى إلى فشله فى إدارة بلاده اقتصاديا، ضرب مؤسسات المجتمع المدنى وفى مقدمتها القضاء، وموقع رئيس الجمهورية، وخلخلة الحكومات المحلية، وقد لعب على المتناقضات والصراعات لاستمرار حكمه، فكانت هى نفسها الأسباب التى جعلت الشارع الباكستانى يرحب بالعسكريين فى الحكم فى سابقة نادرة لا تحدث كثيرا، وهى أن يتنازل الشارع عن حقه فى الاختيار، ويقبل الحكم العسكرى ليخلّصه من حكم هو الذى اختاره.
وخطورة الأزمة الباكستانية أنها تجىء من بلد إسلامى، كنا ومازلنا فى الشرق الأوسط نتطلع إليه بعد استطاعته أن يخطو نحو الديمقراطية، وتداول السلطة، كما استطاع أن يطلق أول قنبلة ذرية، ليثبت للعالم أن العالم الإسلامى ليس عقيما، بل قادر على مجابهة المتغيرات العالمية وتطبيقها بكفاءة، فنحن أمام شعور بانسحاب وعدم قدرة العالم الإسلامى على إرساء البناء الديمقراطى واستمراره.
حتى لا نكون متشائمين من المستقبل الديمقراطى فى منطقتنا، خاصة فى مجتمعاتنا الإسلام، فيبدو أن القدر كان لطيفا معنا، فكانت مفاجأة اختيار رئيس جديد إلى أندونيسيا بعد ٢٣ عاما من الحكم الأوتوقراطى، و٧١ شهرا من التغييرات المضطربة التى قذفت بالرئيس الانتقالى »يوسف حبيبى« إلى السلطة، وجدنا التغيير يقدم لنا رئيسا جديدا لأكبر بلد إسلامى »٠١٢ ملايين شخص« ورابع دولة فى العالم من حيث الكثافة، وهى تحاول ـ جادة ـ الخروج من أزمتها الاقتصادية المدمرة التى اجتاحت الدول الآسيوية الناهضة، ومنها أندونيسيا.
وإذا كان البعض منا ـ بل الكثيرون ـ لا يعتبرون الرئيس المنتخب »عبدالرحمن واحد« أفضل الاختيارات، فقد يصبح رئيسا جيدا، ليخرج بهذا البلد الصعب، الذى يضم ٧١ ألف جزيرة مأهولة بالسكان و٠٠٣ لغة ولهجة، ويعانى مشاكل سوء الإدارة، وأخيرا لاتزال تلاحقه أزمة حادة هى »تيمور الشرقية«، فإن مقدمات الرئيس »واحد« تبشر بأنه سوف يستطيع أن يخرج ببلاده من أزمتها ويكفيه فى مقدمة أعماله أنه كان وراء دفع منافسته على السلطة »ميجاواتى سوكارنو« وزعيمة الأغلبية المنتخبة فى الهيئة التشريعية، لتصبح نائبة الرئيس ويفرض عليها التعاون معه لمصلحة بلادهما، من أجل بناء ديمقراطية صحيحة، فقد احترم الرئيس »واحد« أن أندونيسيا فى حاجة إلى مشاركة رئيسة الحزب التى فازت فى أول انتخابات حرة تجرى فى أندونيسيا فى تاريخها الحديث فى السلطة، وهى الانتخابات الحرة الوحيدة التى تحسب للرئيس الانتقالى »يوسف حبيبى« الذى أجراها فى يونيو الماضى. فالشارع الأندونيسى لعب الدور الرئيسى فى إسقاط »سوهارتو« من الرئاسة فى العام الماضى، وهو الذى اعتبر »ميجاواتى« اختيار الشعب الأول، فقد شعر بتجاوز البرلمان لرغباته ـ بل بالخديعة ـ لانتخاب »واحد« شعر برضا نسبى لصعود الزعيمة »ميجاواتى« إلى موقع نائب الرئيس.
فهل ينجح الزعيمان الجديدان لأندونيسيا فى تكريس الديمقراطية وإدارة بلادهما؟ لا أريد أن ألقى المسئولية على عائق الرئيس المنتخب وحده، فنحن فى حاجة ماسة كشعوب إسلامية إلى أن ينجح الاثنان معا فى أندونيسيا، لكى تكون شهادة ضمان وقدرة لعالمنا الإسلامى على بناء النظام الديمقراطى والاقتصادى الحديث والمتقدم.
الرئيس »واحد« صعد إلى السلطة عن طريق زعامته لمنظمة إسلامية بالرغم من أنه شخصية معتدلة جدا، ويريد البعض أن يقرنه بالعلمانية، حتى يحرمونا من شخصيته المتميزة فى حالة نجاحه. ونرى أن اهتمامه ببناء الاقتصاد والنظام المصرفى الذى يحتاج إلى إصلاح سريع سيكون مخرجا لأندونيسيا، كما أن قدرته على مجابهة الفساد وإحياء المؤسسات الأندونيسية ستجعله فى سجل الخالدين فى العالم الإسلامى، كما أن على عاتقه تقع مهمة صعبة وقاسية فى نفس الوقت، وهى أن يجعل الجيش تحت السيطرة المدنية، وهى ليست مهمة سهلة فى بلد تتمتع فيه القوات المسلحة بدور دستورى، كما أنه على الجيش أن يتقبل انتهاء دوره السياسى، خاصة فى تعيين أعضاء منه فى البرلمان.
سؤال سوف تجيب عنه الأيام المقبلة هل سينجح الرئيس ـ الضعيف شكلا، واهن الجسم، الذى لا يرى إلا بالكاد، وليست له خبرة بالحكم، ويحتاج إلى المساعدة فى الحركة والجلوس ـ فى إنقاذ أندونيسيا وبناء مستقبلها الديمقراطى؟
يقول عارفوه إنه ذكى وله جاذبية، واستطاع أن يقود منظمة تضم ٥٣ مليون عضو، وقد أثبت مهارة فى ممارسة فنون السياسة، وهو صريح، له شعبية فى أندونيسيا.
هل تكون كل هذه العوامل إضافة إلى صدق وإخلاص »ميجاواتى سوكارنو« جواز المرور نحو المستقبل وبناء استقرار أندونيسيا؟ وتشجيعا لشعوبنا الإسلامية فى حركتها الجادة نحو بناء مؤسسات المجتمع المدنى وتطوير بلادها لبناء نظام سياسى تعددى، نتمنى أن ينجح، كما نتمنى من قلوبنا أن يدرك العسكريون فى باكستان أنهم لا يستطيعون أن يستمروا فى الحكم طويلا، وقد تتحقق نبوءة »بنازير بوتو« أن »الانقلاب سيكون فرصة للديمقراطية الحقيقية لبلادها« كما أن ما يحدث فى أندونيسيا وباكستان ليس بعيدا عما يحدث فى بلادنا، وفى الشرق الأوسط.