العرب والتغيير

المشهد العربى يحمل فى طياته تغييرا سياسيا حقيقيا، فالديمقراطيات تزحف والبناء المؤسسى يحتل مكانة كبيرة فى مصر ـ أكبر بلد عربى ـ وذلك التغيير لم يأت مصادفة، بل طبقا للدستور المصرى، وبمشاركة عالية وإيجابية، جاءت نتيجة الاستفتاء على رئاسة الجمهورية بمؤشرات كشفت الاتجاه والرؤية الصحيحة للمسار الديمقراطى.
ورغم أن الرئيس مبارك يحظى بتأييد ضخم فى الشارع المصرى، بما يشبه الإجماع، لأنه حقق الاستقرار السياسى، وساعد على تحديث الاقتصاد، والبناء الاجتماعى أصبح متماسكا، لا يتعرض للهزات، وحصل مبارك على نسبة ٣٩٪ من المشاركين فى الانتخابات، فقد كان صوت الذين قالوا »لا« بارزا، إذ وصل إلى نسبة ١٢,٦٪ من الأصوات الصحيحة، وهذا يعنى أن المجتمع المصرى وصل إلى درجة من النضج السياسى، تسمح بقبول الآخر واحترامه داخل النسيج السياسى للبلاد، وتلك شهادة جديدة يقدمها النظام المصرى بقيادة الرئيس مبارك، أساسها الاعتراف بالرأى الآخر، وبأنه أصبح جزءا من نسيج المجتمع، كما أن نسبة المشاركة الكبيرة عكست قوة البنيان السياسى لمصر، وأن تكامل الرؤية بين الاقتصاد والسياسة يأخذ مجالا واسعا، ولعل الأهم من ذلك كله، القضايا التى طُرحت خلال فترة الاستفتاء، فقد أعلنت كل القوى السياسية آراءها وتوجهاتها بكل صراحة، وظهرت الرغبات الكامنة للأمة على السطح، بما يعنى صحة المسارات القادمة، وقدرة المجتمع المصرى على التعبير عن نفسه، بوصوله إلى مرحلة النضج، وهذا يعنى القدرة على النمو والبناء السياسى المتكامل، وسوف تتولى برامج التغيير فى مصر فى المرحلة القادمة بالحكومة الجديدة.
وكل المؤشرات تشير إلى أن التغيير سيصل إلى أسماء وزارية كبيرة، أدت خدمات مهمة للوطن خلال السنوات الماضية، لكن المرحلة القادمة تحتاج إلى وجوه جديدة، وزراء ومحافظين لتفعيل قدرة الحكومة على العمل.
وهكذا فإن مصر سوف تدخل القرن القادم برئيس قوى، يملك خبرات ومهارات عالية تمكنه من فهم واستيعاب المتغيرات السياسية المصرية الداخلية بعمق وقوة، كما أن مكانته الإقليمية التى اكتسبها خلال سنوات حكمه الماضية، أكدت قدرته والثقة فى تحركاته وسط العالم العربى، وبين جيراننا فى المنطقة، ومما أكد عمق رؤيته، وسرعة حركته على كل صعيد أو أزمة إقليمية، تلم بشعوب الشرق الأوسط وكل جيرانه، كما أنه زعيم وقائد عالمى يحظى باحترام وثقة ضخمة من المجتمع الدولى، لم يحصل عليها زعيم من العالم الثالث طوال تاريخنا، ومعه حكومة من الشباب وذوى الخبرات، قادرة على مواصلة عمليات الإصلاح وإقامة المشروعات العملاقة، وبناء مصر الحديثة بكفاءة واقتدار.
وفى اليمن استطاع الرئيس على عبدالله صالح الحصول على ثقة اليمنيين فى معركة انتخابية حقق فيها نسبة ٦٩٪، وطرح الشعب اليمنى إقامة دولة حديثة يسودها القانون، وجاء انتخاب الرئيس صالح ترجمة حقيقية تشير إلى أنه الرئيس اليمنى القوى الذى استطاع بكفاءة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى فى اليمن، كما أنه الرئيس الذى حقق آمال اليمنيين فى الوحدة، بحفاظه على وحدة التراب اليمنى، فى معركة قاسية.
فما تحقق من إنجازات عديدة سوف يبنى عليها الشعب اليمنى مستقبله ومكانته الإقليمية، لأنه بالوحدة والعمل يحقق اليمنيون آمالهم ومستقبلهم، وعلى الرئيس صالح استكمال البناء السياسى ومواجهة مظاهر التسيب والفوضى والفساد باستكمال بناء مؤسسات اليمن، وأعتقد أن الرئيس الذى حقق الوحدة، وحافظ عليها قادر على بناء اليمن الحديث ومؤسساته.
وعلى نفس النهج ظهر نجم عربى قوى آخر فى المغرب العربى، أقصد الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة، الذى يسعى إلى تخليص الجزائر الشقيقة من الحرب الأهلية، ونجح فى الحصول على إجماع الجزائريين لتحقيق الوئام الوطنى، وأصبح طريق الجزائر للتخلص من العنف واضحا، وتحقق لبوتفليقة وللجزائر قبل نهاية هذا القرن طريق ـلم يكن مفروشاً بالورد ـ للتخلص من العنف والإرهاب، واستطاع نجم المغرب العربى الجديد بوتفليقة، فتح صفحة جديدة مع شعبه، وجيرانه فى المغرب وتونس، بل كل شمال إفريقيا، والأهم مع العرب جميعا، والقارة الإفريقية لتعود إلى الجزائر مكانتها الإقليمية والدولية التى نعرفها جميعا ونقدرها ونحترمها.
إن رئيسا بهذه القدرة يستطيع أن يحشد شعبه نحو البناء والتغيير الحقيقى، ويستطيع أن يواجه الفساد ويصلح المؤسسات ويدفع الشعب فى طريق التنمية والمشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفى تونس ـ نحن جميعا نترقب أن تأخذ تونس الخضراء الخطوة نفسها، بعد أن حققت البناء والنمو مع الحفاظ على حقوق الإنسان بقيادة رئيسها زين العابدين بن على، الذى يستعد الآن للدخول بالبلاد فى ٤٢ أكتوبر الجارى فى أول انتخابات تعددية، وبها يستكمل قوة بلاده ووزنها الإقليمى، لأن الرئيس بن على نجح باقتدار فى قيادة بلاده، وقضى على البطالة واستكمل التنمية المستمرة، واحتلت تونس مرتبة متقدمة فى الاهتمام بالتنمية البشرية، فالرئيس التونسى بن على حصل بجدارة على مكانة ولقب »منقذ تونس ومجدد شبابها، وبانى دولتها الحديثة«، بدءا بمحطة الإنقاذ ومرورا بمرحلة المثابرة، وانتهاء إلى عهد الامتياز الذى يتبناه بن على، وأصبح شعارا يرفعه مرادفا لتونس المعاصرة والمستقبل.
وهكذا فإن العرب يدخلون المرحلة القادمة تأسيسا على بناء دستورى وقانونى سليم ومتماسك مع مشاركة شعبية متكاملة.
وبالأمس القريب شاهدنا تغييرا سلساً وانتقالا للسلطة ـ بلا هزات أو ضجيج ـ فى الأردن والمغرب والبحرين.
وبذلك تكون صورة العرب فى القرن القادم أكثر تماسكا تكشف تمتعهم برؤية عصرية للحاق بركب التغيير والاندماج فى الاقتصاد العالمى، ومواكبة التيرات السياسية الحديثة.