احتفال ذكى وتجاوب إقليمى

المعنى والمغزى فى احتفالات اليمن بعيد الوحدة
حضرت فى صنعاء الاحتفال العاشر للوحدة اليمنية وكان احتفالاً مهيباً، تزينت له صنعاء كما لم تتزين من قبل جمالاً وبهاءً، شهد بذلك الضيوف قبل أهل البلد صناع الحدث.
وصل الرئىس اليمنى على عبدالله صالح، إلى موقع الاحتفال وأرض العرض العسكرى بعد وصول كل الضيوف الذىن مثلوا كل الدول العربية والأوروبية والأمريكتين 47 دولة فى اعتراف صريح بمكانة اليمن وقدرة رئيسه على دمج البلاد وولوج عصر الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولكن الأهم هنا لكل المراقبين، كان الوفد السعودى الذى حضر برئاسة ولى العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ومعه 21 أميراً يمثلون المملكة العربية السعودية، ومعهم مرافقون وصلوا إلى 35 عضواً مما عكس رسالة حب ومودة للدولة اليمنية ورئيسها.
وجاء هذا الوفد الرفيع والشخصيات التى شكلته لتعكس الدرجة الكبيرة التى وصلت إليها العلاقات السعودية ـ اليمنية وأنها تجاوزت كل الخلافات السابقة، خاصة الخلافات الحدودية وأن هناك رسائل متبادلة بين الطرفين وأن هناك تقديراً سعودياً للسياسات اليمنية الأخيرة وشعوراً بأهمية التعاون المشترك فى منطقة الخليج العربى بين البلدين اللذين يمثلان الثقل السكانى والاقتصادى والحضارى لمنطقة الخليج العربى.
وقد حضرت اللقاء الخاص بين الرئيس على عبدالله صالح وولى العهد السعودى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وقد كان لقاء حميماً عبّر فيه الرئيس اليمنى عن شعوره بالسعادة والامتنان للتمثيل السعودى خاصة المستوى الكبير للوفد.
وأحسست بأنها علاقة جديدة على المسار الصحيح لتصحيح العلاقات بين اليمن والسعودية وتقوية الروابط بين البلدين الشقيقين.
ثم عدت بالذاكرة إلى العرض العسكرى الذى تميز بانضباط العسكرية اليمنية وأحدث الطائرات والمعدات العسكرية التى تمر أمامنا، فحاولت ـ قدر استطاعتى ـ استخلاص المعنى والمغزى، وهل فى هذا رسالة ما؟ وفعلاً وجدت أنها رسالة حقيقية تقول إن هناك دولة تعمل وتصر على حماية أعمالها والدفاع عن مصالحها، فاليمن قد تعرض فى السنوات الأخيرة للتقليل من شأن قدرته على بسط نفوذه وسيادته على حدوده خاصة مع انتشار عمليات الإرهاب وخطف الأجانب، وظهور تأثير القبليات والميليشيات على وحدة اليمن، بعد انتصار الرئىس على عبدالله صالح وقواته على الانفصاليين فى واقعة استمرت 60 يوماً بدأت فى 22 مايو 1994.
إن ظهور مؤسسة عسكرية قوية داخل الدولة هو النواة والعمود الفقرى الذى يضمن نمو كل المؤسسات الأخرى، خاصة مؤسسات المجتمع المدنى وقوة هذه المؤسسة هى التى تضمن احترام القوانين وعدم الخروج على الشرعية أو تهديد سلامة الدولة، التى تحاول أن تخرج مما فرض عليها من تقسيم أو ابتعاد عن روح العصر بإرادة وعزيمة قوية تستحق من كل مراقب كل الاحترام والتقدير.
ثم كان العرض الفنى فى ساحة الاحتفال وهو الآخر قد حمل معنى ومغزى عن قدرة اليمنيين على الإبداع الثقافى والفنى والمسماة »خيلت براقاً لمع« وهو عبارة عن قطعة شعرية غناها شباب اليمن وقبائله، الذىن طالما سمعنا أنهم يعلون من شأن القبيلة أكثر من شأن الدولة، وكانت خير تعبير عن مشاعر اليمنيين وكيف يحبون وكيف يفرحون، وكيف يغضبون، كيف يحاربون، وكيف يسالمون، كيف يزرعون، وكيف يرسمون وجه المستقبل.
استطاع الأوبريت أن يخطف الأبصار، ويترجم حقيقة معاصرة مؤداها أن اليمن فى حاضره يعلى شأن الدولة ويحاول أن يخرج من الفقر والتخلف بإرادة حديدية، وبإرادة قادرة على التخطيط واستيعاب روح العصر، وقد ترجمت الأغنية حقيقة عراقة هذا البلد القديم، فهو عند الله سبحانه وتعالى »أرض الجنتين« والبلدة الطيبة وهو بلد الإيمان والحكمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلمه، وهو العربى السعيد عند رواد الفكر والحضارات القديمة.
ورأيت رئيس اليمن على عبدالله صالح نشيطاً يستقبل الصحفيين والإعلاميين كما يستقبل السياسيين ورجال الدولة، يعرف الجميع ويتابع تصريحات السياسيين، كما يتابع مقالات الكتاب والصحفيين بذاكرة حديدية لا تنسى دقائق الأمور.
كما أنه شخصية متواضعة ودود، ترحب بالجميع، مواطنين عاديين أو سياسيين قادمين من أوروبا وأمريكا، لا يمل الحوار أو الرد على تساؤل ولا يخاف المواجهة التليفزيونية أو المكاشفة والرد على أى سؤال.
فلم يتسرب إليه الغرور أو كبرياء المنتصرين، بالرغم من أنه حقق فى سنوات قليلة الكثير، وآخر إنجازاته إجراء انتخابات سياسية تعددية 1999 كان له فيها منافس. لم يمنعه التكريم الذى يحصل عليه من شعبه أو المنطقة باعتباره موحد اليمن، وصاحب الإصلاح السياسى والاقتصادى من أن يزيد اتصالاته مع اليمنيين بمختلف طوائفهم، حتى إن المعارضة فى الداخل تطالبه بالعفو عن صناع الانفصال والتسامح معهم والمعروفين بقائمة الـ 16 بمناسبة العيد العاشر لتحقيق الوحدة والسادس للمواجهة العسكرية ولا أستبعد كما شهدت أن يكون قرار الرئىس القادم فى سياسته لدمج البلاد وتحديثها وتوسيع رقعتها الديمقراطية، أن يسمح للانفصاليين بالعودة، بل ممارسة السياسة، فقد أصبح رئيساً قوياً والاحتفال الأخير كشف عن ذكائه وحصافته وعن تجاوب العالم والمنطقة معه، فقد تجاوز محنة الانفصال وسلبيات حرب تحرير الكويت، والمشاكل الداخلية السياسية والاقتصادية بحنكة وصبر وطول أناة تكشف معدنه وقدرته السياسية.