فلسطين فى مفترق الطرق لمن التفاوض فى المرحلة الأخيرة؟

وقَّع الفلسطينيون مع نيتانياهو ـ بمشاركة كاملة من كلينتون ـ الاتفاق الذى تم التوصل إليه فى قمة »واى بلانتيشن«، وهناك تحفظات كثيرة على الاتفاق الذى لم يحقق الحد الأدنى، مما يرمى إليه الفلسطينيون، حتى يَتَسَنَّى لهم أن يعلنوا دولة فى مايو ٩٩٩١ ـ كما تضمنت اتفاقيات أوسلو التى وقعت منذ ٥ أعوام ـ وأصبحت هى مرجعية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيلىين، لكن الأهم هو أن الولايات المتحدة استطاعت جرَّ إسرائيل نيتانياهو إلى طاولة مفاوضات حقيقية، وحصلت منه على اعتراف بضرورة الاستمرار فى الاتفاقيات والخطوات التى سار فيها من قبل سلفاه رابين وبيريز، وأجبرت نيتانياهو وشارون على مواصلة الانسحاب من الأراضى المحتلة، سواء حسب مرجعية السلام المتفق عليه. الأرض مقابل السلام، أو الأمن مقابل السلام،
ففى النهاية العرب والفلسطينيون يريدون الأرض المحتلة، كما يريدون الدولة والسيادة والاستقلال للفلسطينيين، حتى تضع حدا لمعاناتهم اليومية فى الأرض المحتلة، أو فى المخيمات، أو فى شتى بقاع الأرض مهاجرين بلا هوية، وبلا وطن، ولن نتوقف أمام الاعتراضات، ونقاط التخويف فهى كثيرة، ولكن الاتفاقيات لن تكتسب مصداقيتها بدون التنفيذ، كما نعتقد أن المجتمع الدولى والإصرار العربى استطاعا أن يجبرا نيتانياهو ـ أخيرا ـ على القبول باتفاقيات أوسلو التى كان يرفضها، ولم يصبح أمامه سوى القبول بالانسحاب والاستمرار فى العملية السلمية، التى بدأت ولم يعد فى استطاعته التهرب منها إلا بثمن فادح، ستدفعه إسرائيل من مستقبلها فى منطقة الشرق الأوسط، وعلينا كعرب وفلسطينيين السير فى طريق السلام بلا خوف أو تردد، فهو طريق بالقطع سيحقق مصالحنا، وسوف يصل بنا إلى دولة فلسطينية حقيقية،
كما أنه سيضع إسرائيل فى مكانها الطبيعى، فهى دولة صغيرة فى المنطقة ليس من حقها ابتلاع الأراضى أو هضم سيادة الآخرين، وسقطت كل شعاراتها القديمة كدولة، تُحدِّد حدودها ـ بقوتها العسكرية ـ من النيل إلى الفرات، فهى دولة تنسحب من الأراضى المحتلة بمعرفة المجتمع الدولى، وبشراكة من الدولة الكبرى، وأصبحت داخل حدودها، فهناك اتفاقيات بينها و بين جيرانها من المصريين والأردنيين، وتواصل مفاوضاتها مع الفلسطينيين، وهذا لا يعنى غياب التفاوض مع سوريا ولبنان، لكن الضغط العربى يجب أن يتواصل الآن، وصولا إلى السلام الشامل، وتحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط ككل، وما نريد أن نركز عليه الآن هو شكل المفاوضات النهائية سواء مع الفلسطينيين أو سوريا ولبنان.
العرب الآن فى حاجة إلى تغيير جذرى فى شكل التفاوض مع إسرائيل، خاصة أننا دخلنا فى المرحلة الأهم، وعلى العرب أن يسعوا فورا عقب هذا الاتفاق إلى مؤتمر قمة يحددون فيه شكل المرحلة النهائية من التفاوض مع إسرائيل على الأصعدة المتبقية، فنحن أمام مرحلة دقيقة وحرجة، ولا يجب أن نترك للفلسطينيين وزعيمهم عرفات للإسرائيليين بدون دعم عربى مباشر، وإلا فإنهم لن يحصلوا على شىء، وسيتم تجميد الموقف فى وضعه الراهن، نحن فى حاجة إلى.
تحقيق استقلال كامل للدولة الفلسطينية الوليدة، فالفلسطينيون فى حاجة إلى بنية اقتصادية وسياسية تسمح لهم بإقامة كيان فلسطينى قوى لا نريد أن يكون منافسا لإسرائيل، لكن ـ على الأقل ـ يكون قويا وقادرا على معايشة دولة قوية تريد ابتلاع وذوبان هذا الكيان، ليكون كيانا هزيلا ومولودا فقيرا لا يستمر فيموت قبل أن يولد.
العرب فى حاجة إلى تكوين وفد عربى موحد يتفاوض مع إسرائيل والولايات المتحدة ـ بل والمجتمع الدولى كله ـ على شكل ومستقبل القدس، المدينة المقدسة الأولى للديانات السماوية الثلاث. »الإسلام والمسيحية واليهودية«، خاصة أن إسرائيل ضمت المدينة إلى حدودها وتعتبرها عاصمتها التى لا يمكن التفريط فيها.
ومستقبل القدس والأماكن المقدسة أمر بالغ الأهمية لأنها جزء من دولة فلسطين، وتهم العرب جميعا، لذا فالتفاوض عليها يجب أن يكون من قبل وفد عربى موحد وليس فلسطينيا أو أردنيا فقط.
الفلسطينيون وحدهم لن يستطيعوا التفاوض حول مستقبل المستوطنات والمستوطنين، فإسرائيل تريد أن تجعلهم شوكة فى صدر الدولة الجديدة، وعلى وفد عربى موحد أن يتفق حول مسألة المستوطنين والمستوطنات، هل تُزال أم تبقى؟ والمستوطنون هل يُعاملون كمواطنين فلسطينيين يحترمون إرادة الدولة المستقلة؟ كل ذلك يحتاج إلى مفاوضات شاقة.
واللاجئون الفلسطينيون فى المخيمات ماذا عن مستقبلهم ؟ علينا احترام مصالح الشعب الفلسطينى الذى تحمل تضحيات جسيمة، ويجب أن يحتل هؤلاء أولوية فى المفاوضات النهائية.
نعتقد أن رؤية عربية ودولية لمستقبل السلام فىالشرق الأوسط لن تتحقق فى ظل النظام الحالى للتفاوض، فقد وصلنا إلى مرحلة الحل النهائى، وهى تستلزم تفاوضا شاملا، فى ظل وفد موحد، لتصل إلى قناعات مشتركة لشكل هذه المنطقة، وللسلام العادل والمتوازن فيها، وهذا لن يتحقق بمفاوضات جزئية خاصة أن موازين القوى كلها فى صالح إسرائيل، إذا استمر الشكل الحالى للتفاوض.
الصورة الآن ليست قاتمة ولسنا متشائمين، كما يحاول البعض أن يتصور، فقد أثبتت الاتفاقية الأخيرة أن الواقع الجديد الذى ظهر فى الشرق الأوسط عقب اتفاق أوسلو والاعتراف المتبادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لا يمكن أن يتوقف حتى فى ظل وجود شخصية مثل نيتانياهو أو شارون، أقل ما يمكن وصفهما به هو »التشدد والتطرف« فهما لا يعترفان بالسلام، ويسعيان إلى إقامة إسرائيل الكبرى، ومصادرة الأراضى والتوسع فى الاستيطان، وهما أصبحا ـ طبقا للاتفاق الأخير ـ ملتزمين بالانسحاب وتنفيذ اتفاقيات السلام، وحتى لو كان انسحابا لا نرضى به،
فهما ينسحبان من ٣١٪ من الأراضى، لتنضم إلى الفلسطينيين الذين سبق أن حصلوا بالفعل على معظم أراضى قطاع غزة، و٧٢٪ من أراضى الضفة الغربية، وبالقطع ليس هذا طموح العرب والفلسطينيين للحصول على كامل الحقوق والأراضى المغتصبة بعد عام ٧٦٩١ كحد أدنى، لكننا نشعر أن الفلسطينيين الآن على الأرض، ويتحركون فى ظل رئيس ودولة وعلم، وأمامهم مستقبل، لكن الأمر يستلزم حشد كل الطاقات العربية والفلسطينية للتماسك واستكمال مراحل بناء الدولة والاستقلال، ودفع العرب إلى مرحلة جديدة من التفاوض تكفل كشف المتطرفين على كل جانب، سواء من العرب أو الإسرائيلىين، وصولا إلى سلام عادل يحقق مصالح الجميع، وينتشل المنطقة العربية من الصراع والحروب.