لا حدود للخيال..

ماذا يجرى لنا؟ أىة كلمات تقال، الغرب وأمريكا يضربان فى يوغسلافيا يتحدان ميلوسوفيتش، يكسران عظامه، يحطمان ـ كما يُنقل لنا عبر وكلاء الأنباء ـ كل شىء له قيمة، لكن ما الذى نسمعه ونراه ونحسه؟ نشاهد إخوانا لنا أبناء كوسوفا، يموتون ويشردون، والأطفال والشيوخ يبكون، مأساة حقيقية، والغرب يضرب، ولكن ماذا يفعلون فى الشرق؟ إنهم يتفرجون ويتفلسفون، ويكتبون، وأكثرهم فعالية يرسل تبرعات وأدوية وإسعافات عاجلة، والأهم والأغرب، أن من هم على خلاف مع أمريكا والغرب، يتسائلون ببراءة أحيانا وبعمق لماذا تضرب يوغسلافيا؟ من أجل عيون المسلمين فى كوسوفا، أو من أجل المصالح الغربية فى البلقان، ومحاصرة ما تبقى من الاتحاد السوفيتى سابقا، أى محاصرة روسيا الضائعة والبائسة، والبعض الآخر يقول ـ وله كل الحق ـ أن أمريكا تضرب من أجل استراتيجيتها، ألا وهى سيطرتها على العالم، وتأديب كل خارج على هذه السيطرة، الضربة أمريكية،
والسيطرة الأمريكية حقيقية، ولا يستطيع أحد أن يوقفها حتى بالرفض أو الشجب، والحقيقة الأخرى الأكثر صعوبة، هى مأساة الألبان المسلمين، أبناء كوسوفا، الذين يدفعون ثمنا باهظا للاضطهاد والتطهير العرقى، إنهم ضحية لجزار صربى متصلب، يعيش فى القرون الوسطى، جاء فى زمن الهزيمة والضعف للجنس السلافى، وهزيمة بلاده »وضياع نموذج تيتو للتعايش فى يوغسلافيا«، وهزيمة الاتحاد السوفيتى، وانفجار روسيا من الداخل اقتصاديا وسياسيا، وقد وجد هذا السفاح ضالته فى الأقليات بين شعبه، فقرر ومعه قبيلته والمتعصبون من أهله إسالة الدماء، فسالت أنهار فى سراييفو، دفع فيها الثمن أبناء البوسنة والهرسك المسلمون أولا، ثم انتقل إلى برتشينا لتدفع نفس الأقلية المسلمة الضعيفة فى كوسوفا ثمن هزيمة الصرب والروس »السلاف« فى الحرب العالمية الثالثة التى لم تسل فيها الدماء، لكن نتائجها على الأرض واضحة.
ثم كانت فرصة ذهبية للغرب وأمريكا، قضية عادلة، فيها كل الحقوق واضحة، فهناك شعب فقير مضطهد مسلم، ويضطهده شعب آخر هو الصرب، لماذا لا نضرب فى هذه القضية العادلة؟ نحقق أهدافنا ونكرس النظام العالمى الجديد، ابن الانتصار الغربى وهزيمة الاتحاد السوفيتى؟ وفى نفس الوقت من سيدفع الثمن؟
سيدفعه الشعب الفقير المسلم، فأبناء كوسوفا، هم الضحية فى الحالتين »سلما وحربا«، وفى الأخيرة تحت نيران الطائرات الغربية التى تدك يوغسلافيا، فيتم تهجير المسلمين من كوسوفا والإقليم يتغير، نجحت خطة الصرب فى التطهير العرقى، وتغيير الطبيعة الديموغرافية لكوسوفا، الهجرة الآن أصبحت جماعية، اللاجئون فى كل مكان، فى أوروبا وعلى الحدود، أصبحت كوسوفا الأرض المحروقة، بدلا من أن يحصل شعبها على الحكم الذاتى، الحرب حولت الإقليم إلى خراب، والشعب إلى لاجئين، الموتى والمرضى بالآلاف، والمهاجرون والضحايا بالملايين.
وكل من فى هذا العالم يسعى إلى تحقيق مصالحه، وتلك حقيقة لا نريد من يثبتها، ولنا أن نسأل نحن أبناء الشرق. أين مصالحنا فى هذه القضية الحساسة، أليست لنا مصلحة؟ هل نسكت أم نتباكى على الاتحاد السوفيتى؟ هل نعادى أمريكا لأننا نكره تسلطها وسيطرتها على النظام العالمى الجديد؟ كل ذلك يثبت عجزنا، ويجعلنا نتذكر ما قاله الشاعر العربى الموهوب نزار قبانى يوما.
« يبيعون ويشرون خيال
ويموتون إذا عاش القمر
ما الذى يفعله فينا القمر
فتضيع الكبرياء
ونعيش لنستجدى السماء
لكسالى ضعفاء
يستحيلون إلى موتى إذا عاش القمر»
وحتى لا نصبح كما وصفنا نزار، علينا أن نعرف أن العرب والمسلمين والشرق كله عليه أن يهب سياسيا واقتصاديا لحماية شعب كوسوفا، وعودته إلى أرضه حتى تكون لهذه الحرب قضية عادلة، فهى ليست قضية مساعدات إنسانية أو أموال، إنها أرض وشعب يضيعان فىطاحونة نظام عالمى جديد لا يرحم الضعفاء والمستضعفين، ونغنى وننادى مع الشاعر.
« وينادون الهلال
يا هلال
أيها النبع الذى يمطر ماس
دمت للشرق لنا
عنقود ماس »
ولا نبكى مع الشاعر.
«فى ليالى الشرق لما بلغ البدر تمامه
يتعرى الشرق من كل كرامة
ونضال..»