مقالات الأهرام العربى

ليست مؤامرة !

بدأ الموسم السياسي في مصر ساخنا، فعقب افتتاح الرئيس مبارك للدورة البرلمانية الجديدة بخطاب لا نستطيع إلا أن نصفه بأنه يكشف عن جوهر تطور سياسي بارز علي صعيد الحكم في مصر.. فقد قدم الرئيس مبارك في برنامجه للعام الجديد تصورا متكاملا لأولويات المرحلة الجديدة، حيث يقف الرئيس، وهو علي مشارف القرن الجديد، والعام الأخير لولايته الثالثة، بعد أن حصل علي تفويض شعبي عارم لولاية جديدة مسلحا بإنجازات هائلة علي أكثر من صعيد، ففي الداخل حقق معدلات مرتفعة للتنمية، ورفع دخل المواطن، وخرج من الإصلاح الاقتصادي باعتراف عالمي، واقتحم معركة التنمية بتغيير فعلي لخريطة مصر بحزمة متكاملة من المشروعات القومية، ففي أقصي الجنوب الغربي يجري العمل في مشروع حضاري، سوف يهز المجتمع المصري ويدفعه إلي المستقبل بقوة غير متصورة، ومن ترعة السلام جرت مياه النيل تحت قناة السويس إلي سيناء في الشمال، وفي الصناعة ينشيء الموانيء والمناطق الصناعية في شمال وغرب خليج السويس وشرق بورسعيد،

حتي إنه في أسوان يبني مجتمعا جديدا وليس مجمعا ـ فقط ـ لخام الحديد، وعلي صعيد الاقتصاد وتطور البنية الأساسية وتغيير وجه الحياة في الصحة والتعليم، فإن إنجازات الرئيس مبارك تضعه في مكانة عالية في التاريخ باعتباره من البنَّائين الكبار لمصر، بل أكبر وأول البنائين في عصرنا الحديث، وهي مكانة مميزة وفائقة التميز، إذا كانت رصيده الوحيد، فإذا أضفنا إليها أدوارا أخري لا تقل قيمة علي الصعيد السياسي، منها إطلاق الحريات وبناء مؤسسات المجتمع المدني، والمكانة المرتفعة في المحافل الدولية، التي رفعت مكانة مصر إقليميا وعالميا،

كل ذلك يعني أن هناك مسيرة اقتصادية وسياسية متكاملة تحدث في مصر، وتديرها حكومة فعَّالة يرأسها د. كمال الجنزوري، لم تمنع كل هذه المسيرة المتصاعدة من حدوث توتر علي الصعيد السياسي بين البرلمان والحكومة في افتتاح الدورة الجديدة، وامتد هذا التوتر ليشمل الصحافة، وحدثت شبه مواجهة علنية بين رئيس الوزراء والنواب، جعلت د. كمال الجنزوري يغضب ويثور، وهو الشخصية الهادئة الواثقة من نفسها، لما يملكه من فعالية في التنفيذ، وما يجمعه في ذهنه من أرقام، وقد سمَّي البعض ما حدث ـ استنادا إلي العقلية القديمة ـ بأن هناك مؤامرة من بعض الوزراء الذين يتحكمون في البرلمان ـ كما يصفونهم ـ بالريموت كنترول.

وامتد توظيف المؤامرة لتشمل علاقة المحافظين برئيس الوزراء وبنواب البرلمان، وتطور الأمر ليشمل الصحافة، فالتطور الحادث حاول البعض انتهازه من أجل كسب مواقف سياسية، وهذا ما كشفته الصحافة أخيرا فيما يخص بعض تجاوزات عدد من النواب، الذين أصبحوا بحكم سلوكهم المعيب علي كل لسان في المحافل العامة، بل والخاصة، وهم من عُرفوا بـ »النائب الصايع، ونائب الصفعة… إلي آخره من المسميات المسيئة« كل هذه المواقف والتطورات كشفت عن حيوية النظام السياسي المصري كما ترجمها عدد من المراقبين الداعين إلي تطوير النظام السياسي المصري،

وأنه يمر بمرحلة تطور فعلي سيكون لها تأثيرها في العام الحالي، وستكون مقدمة حقيقية، لكي تتطور المؤسسات السياسية وتنمو وتكون أكثر فعالية في إدارة الحياة السياسية، متوازية بذلك مع النمو الكبير والتطور الاقتصادي الذي يحدث علي صعيد التنمية، وبروز المجموعات المالية والاقتصادية المصرية، وامتداد تأثيرها التنموي والاقتصادي بما يشمل المنطقة.

ما حدث علي الصعيد السياسي وداخل البرلمان والحزب الوطني، سيكون ترجمة حقيقية لبرنامج العمل الوطني المصري القادم، فهو يشير بوضوح إلي أن التطور السياسي يأخذ مجراه بشكل طبيعي، وقد ترجم ذلك الرئيس مبارك بقوله إن احترام سيادة القانون والتمسك بالشفافية والنزاهة، سيؤدي إلي أن تكشف المؤسسات السياسية التنفيذية والتشريعية عن الأخطاء وأوجه القصور والانحراف، وتعالج المشكلات فورا،

وأن الموقف يتطور من العلانية والشفافية، إلي تغيير حقيقي ومؤسسي في المنظمات السياسية، وسيؤدي ذلك إلي تدعيم الممارسة الديمقراطية و السياسية في شكلها العام، وهكذا يمتد الإصلاح السياسي إلي النظام المصري بشكل فعْلي وحقيقي، وليس بشعارات، فمقدمات الإصلاح السياسي طرقت الأبواب المصرية، وبدأت ساخنة، وتشير إلي تغيير فعلي في الؤسسات والسياسات،

وهي المقدمة الطبيعية والصحية لبروز قيادات جديدة قادرة علي تحمَّل تبعات العمل الوطني، وكشْف وتصحيح كل قصور، بدون خوف من حدوث اضطرابات أو هزَّات، وهكذا نري مقدمات التغيير السياسي والنمو والتطور، تتجلي بقوة لإظهار حقبة اقتصادية وسياسية متطورة تعيشها مصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى