مبررات فوز « بن على » بالرئاسة الجديدة

وصلت تونس وهى فى مراحلها الأخيرة للاستعداد للانتخابات الرئاسية التعددية الأولى فى تاريخها، والتى ينافس فيها الرئىس التونسى زين العابدين بن على مرشحان آخران هما محمد بلحاج عمر، وعبدالرحمن التليلى زعيم حزبى الوحدة الشعبية والاتحاد الديمقراطى.
وفى نفس الوقت هناك معركة انتخابية أخرى شديدة المنافسة على البرلمان الحادى عشر فى تاريخ البرلمانات التونسية منذ أن عرفت الدولة التونسية طريقها للحياة النيابية فى عام ٦٥٩١.
وفورة الحياة السياسية فى تونس فى العام الأخير فى القرن العشرين، تعكس مرحلة جديدة تدخل فى حسابات وتاريخ تونس المعاصرة تحت قيادة الرئيس »بن على«، تشير إلى أنه ينتقل من بناء الدولة الحديثة وتطوير اقتصادها إلى بناء المؤسسات السياسية المتطورة القادرة على حماية مستقبل تونس وضمان تقدمها السياسى والاقتصادى، فالانتخابات الرئاسية لعام ٩٩٩١ تحمل شكلاً ومضموناً مغايرين بشكل جوهرى، فلأول مرة منذ الاستقلال يتم السماح بتعدد ترشيحات الرئاسة، بما يعنى عبور البلاد إلى مرحلة جديدة تاريخية ترسخ مفهوم بناء وتطوير مؤسسات الدولة الحديثة، وتمهد لدخول تونس إلى ديمقراطية فعالة ومنافسة على الخلافة، خلال الانتخابات الرئاسية القادمة فى عام ٤٠٠٢.
فقد وجدت فى تونس شعورا حقيقىا بالارتياح والتفاؤل لمستقبل البلاد السياسى، فبالرغم من صعوبة، بل استحالة منافسة الرئيس زين العابدين بن على على كرسى الرئاسة، ورغبة جموع التونسيين فى إعادة انتخابه لدورة رئاسية جديدة، سيفوز بها بنسبة مريحة بلا شك، تقديراً للدور الذى لعبه فى تاريخ بلادهم فإن التفاؤل والثقة مبعثهما روح المنافسة وبناء المؤسسات التى جعلت التونسيين يشعرون بأنهم أصبحوا يملكون بناء سياسياً ديمقراطياً قوياً يتناسب مع ما حققوه من نمو وبناء اقتصادى.
وارتفعت مكانة الرئيس »بن على« كثيراً بين التونسيين بسبب الخطوة التى يرسخ بها مكانته، ومكانة تونس، وهى تستقبل الألفية الجديدة.
فقد استطاع منذ أن تولى السلطة فى ٧ نوفمبر ٧٨٩١، أن يشع الأمل، وينقذ البلاد وهى فى أوج أزمتها، فتصدى بحزم للدسائس، وضاعف من جهوده لحفظ الاستقرار والبناء متبنياً سياسات وحلولاً منطقية وواقعية، حافظت على معدل نمو متوازن ومتواصل منذ ٠١ سنوات قدرته المؤسسات المالية الدولية، مابين ٥ و ٥،٦٪ سنوياً، ولعل اللافت فى التجربة التونسية للنمو الاقتصادى أنها لم تتجه إلى خلق طبقة من الأثرياء على حساب المجتمع الفقير، ولكنها ركزت على التنمية البشرية وخلق الطبقة الوسطى القوية، حتى إن تونس أصبحت تسمى »أوروبيا« مجتمع الطبقة الوسطى، وتشير الإحصائيات الواقعية والدقيقة إلى أن الطبقة الوسطى التونسية تشكل ثلاثة أرباع مجموع سكان تونس.
وكان لنجاحه الاقتصادى أبلغ الأثر على مستقبل تونس، البلد الصغير غير البترولى، والذى لا يملك موارد طبيعية كثيرة، فأعتمد على التنمية البشرية واستغلال امكانات الإنسان التونسى والطبيعة التونسية بتطوير صناعة السياحة التى أصبحت صناعة تونسية مميزة عربياً وأوروبياً، ونكهة تونس السياحية على الخريطة العالمية أصبحت أكثر بروزاً وقوة، ويحسب لها حساباً كبيراً فى الأسواق العالمية كبلد جاذب للسياحة والسائحين، كما اعتمد الرئيس »بن على« على تطوير الزراعة والصيد وقطاعى الصناعة.
وأفرز الوضع التونسى الجديد خلال السنوات الماضية قدرة للدولة التونسية على محاصرة الفقر، وفى نفس الوقت الحد من تأثير التيارات الأصولية والمتطرفة، فهى البلد المغربى الوحيد الذى استطاعت قيادته أن تنجو من زحف الفقر والأصوليين والمتطرفين، ولم يكن وراء ذلك وفرة مالية قادمة من الخارج أو دخول بترولية، ولكنا كانت حكمة القيادة الاقتصادية والسياسية الرشيدة، التى تتسم بالحزم والقدرة على البناء وتطوير المجتمع فى نفس الوقت، وهذه النجاحات التونسية، لا تنسينا أن الحياة المعتدلة فى تونس انعكست على وضع ومكانة المرأة التونسية، التى تشارك فى كل أنماط الحياة باعتدال وبلا تطرف كما استطاعوا أن ينجوا ببلادهم من أزمة الانفجار السكانى التى تهدد الجميع فى عالمنا العربى، بالوصول إلى استقرار فى معدل النمو السكانى لم يتجاوز ٦،١٪ سنوياً.
فرحة التونسيين، ببناء دولتهم اقتصادياً ونجاح سياسة الإصلاح الاقتصادى ومكافحة الفقر، وباستكمال البنية الأساسية الاقتصادية لتونس لم تنسهم أن الحفاظ على كل ذلك، لن يتم بدون بناء ثقافى وسياسى مميز وقوى ومتكامل، فهناك اهتمام بالمثقفين وبناء مؤسسات المجتمع المدنى، وإطلاق حرية الرأى والصحافة، وقد وعد »بن على« مواطنيه بقانون جديد للصحافة يتقدم به إلى المجلس النيابى الجديد لتتحرر نهائياً من قيود الرقابة الذاتية، ويدفع نحو مزيد من الحوار الديمقراطى.
فى تونس تجربة رائدة للاستقرار الاقتصادى والسياسى والثقافى، تتخلص من شوائب الماضى وتنفتح نحو المستقبل، ببناء مؤسسى وبطريق متدرج ومستقر، لا يؤدى إلى إثارة النزاعات أو إيقاظ فتن الماضى البغيض، ويتجه إلى التحديث برؤية واقعية لا تسمح بالشطط أوالوقوع فريسة الرؤية الضيقة التى لا تراعى ظروف المجتمع ودرجة التطور والنمو.
فلا غرابة إذن أن يحصل الرئىس زين العابدين بن على على ثقة الشعب التونسى وأصواته، ويتقدم إلى رئاسة جديدة فى تونس، تقودها نحو الألفية الجديدة، ونشعر نحن العرب بأن استقرار تونس وتقدمها تعزيز لاستقرار منطقتنا وضمانة لنموها.