مبارك.. صوت المظلومىن

خطف الرئيس المصري حسني مبارك اهتمام العالم ونخبته السياسية والاقتصادية في »دافوس« بسويسرا في أثناء إلقاء كلمته العميقة »في اليوم الأخير من شهر يناير« أمام مجموعة من أهم متخذي القرار والفكر الاقتصادي والسياسي علي مستوي العالم، الذين انتخبوا التجربة المصرية ورئيسها، لتكون مادة الحوار الرئيسية لأهم منتدي اقتصادي عالمي يعقد، ليتحاور حول الاتجاهات المستقبلية للسياسات الاقتصادية، وارتباط التغيرات السياسية بحركة رؤوس الأموال والاستثمارات الدولية.
ولم يكن اختيار الرئيس مبارك كمتحدث رئيسي أمام هذا المنتدي لهذا العام نتاج الإنجازات التي حققها الاقتصاد المصري فقط، والتي جعلت التجربة المصرية مثالاً ساطعاً للدولة التي استطاعت أن تنجز في سنوات وجيزة إصلاحاً اقتصادياً متميزاً، وأن تتجنب السقوط في براثن الاضطرابات الاقتصادية، التي عاشتها دول كبري أو بازغة أو نامية.. كما استطاعت بسياسات هادئة ومتدِّرجة أن تعبر العاصفة، التي ألمت بالاقتصاد العالمي، واندمجت في الاقتصاد العالمي بأسس ثابتة، وراعت المحرومين والفقراء.. ممن قد يضارون بسبب الإصلاح..
إنما كان اختيار الرئيس مبارك كمتحدث رئيسي لأن التجربة المصرية رهان علي المستقبل، فالرئيس مبارك يطرح برنامجاً للمستقبل في مصر يحمل في طىِّاته خروجاً للمصريين من الوادي الضيق إلي رحاب واسعة للتنمية والتطور والنمو. وأوضح الرئيس ـ بتواضع شديد ـ أن رفاهية شعبنا رغم أنها بدت بعيدة المنال في السنوات الأولي من هذا العقد، إلا أنها قد أصبحت اليوم بين أيدينا. وهذا لم يتحقق بسهولة فقد امتلك الرئيس مبارك شجاعة الصراحة عند وصف التغيير في مصر.. »فقد اقتضت مباديء الإصلاح أن تكون الأسواق الحرة هي الأساس في توزيع الموارد في مصر.. واقتضت أن يكون التغيير هو تغيير الإدارة الاقتصادية في المؤسسات، بحيث تقوم بتوجيه أسواقنا وتحفظ تكاملها بمقياس الكفاءة العالمية«.
الرئيس مبارك ذهب إلي تجمع »دافوس« وهو يملك رؤية كاملة لمستقبل بلاده، لا تستند علي تمنيات طيبة أو رؤية متفائلة، ولكن علي تجربة إصلاحية مستمرة، أتت ثمارها بإمكانات نجدها لا نهائية ومتكاملة، وخطط إصلاح ونمو علي أرض الواقع تنفَّذ.
ولم يكتف الرئيس المصري بشرح خطط بلاده، ولكنه طرح رؤية متكاملة للمنطقة العربية ككل، باعتبارها منطقة واعدة، حيث يقوم حاليا ببناء مؤسسات تتولي تنفيذ اتفاق للتجارة الحرة بين ٩١ دولة عربية، وعن طريق قيام تكتل اقتصادي بين ٠٥٢ مليون نسمة يحققون ٠٠٦ مليار دولار من الناتج المحلي، بدأ يتشكل تدريجياً ليكون جزءاً متكاملاً من الاقتصاد العالمي.
ولم ينس الرئيس مبارك في خطابه، أو إذا راعينا الدقة تشخيصه وروشتته للإصلاح العالمي بوصفنا نعيش في قرية كونية واحدة.. أن إعادة النظر في النظام الاقتصاد الدولي تكفل التكامل والرخاء والنماء لكوكبنا..
وكان الرئيس مبارك صوتاً بارزاً ومعبِّراً عن المظلومين في هذا العالم.. فقد وصف بدقة إحساسهم المرير بالظلم، الذي من شأنه أن يمحوا مكاسب التنمية التي تحققت بعد طول عناء، بسبب التغير في توجهات السوق.. وطالب بإعادة النظر في الأولويات حتي لا يغيب عن بصرنا ما هو مهم بالفعل.
وقدم محاور عاقلة للإصلاح في بنيان النظام الاقتصادي برؤية واقعية، كشفت قدرة قائد من العالم الثالث علي أن يكون صوتاً للفقراء والمظلومين، وقادراً علي التشخيص وتقديم الرؤية المستقبلية، فهو يواجه مشكلات الغد بأدوات اليوم، وكانت أولاها الرقابة علي الأسواق المالية بصناديق الاستثمار، والتسهيلات الائتمانية، والمعاملات التي يجب مراقبتها عبر الحدود، وثانيتها دور المؤسسات الدولية لحل مشكلات الاقتصادات الصاعدة والمتقدمة.. ثالثتها كيفية أن يسمح النظام بالتنوع بما يسمح للدول التي تحتاج إلي حماية بإعادة هيكلة اقتصاداتها بحيث لا ينشأ تعارض بين احتياجات الاقتصاد العالمي وبين رفاهية شعوبنا.
إن صوت الرئيس مبارك جاء معبِّراً عن المستقبل، ومدوِّياً باسم المظلومين والفقراء في العالم، الذين لا يتوقفون عن العمل، ولا يستجدون النظام العالمي.. ولكن يقدمون برهاناً عملياً، ودرساً قوياً في القدرة علي العمل والإصلاح وحمل رؤية مستقبل وضْع العالم الغني قبل الفقير أمام مسئولياته عن رفاهية القرية الكونية التي نعيش فيها جميعاً، إنه رهان المستقبل وصوت المظلومين، ويؤكد حقيقة أن العالم القديم لم يتخل عن مسئولياته وأنه قادر علي المشاركة في صياغة وبناء النظام العالمي الجديد بفاعلية وقدرة، تحمي الجميع وتراعي مصالح الأغنياء والفقراء.