مقالات الأهرام العربى

مبارك والعرب

تزامنت بشكل مترابط رحلة الرئيس مبارك إلى أربع دول عربية خليجية »السعودية وقطر والبحرين والإمارات«، وقبلها زيارة إلى ليبيا مع أحداث عربية خطيرة تهم العرب. سيكون لها تأثيرها على مستقبل بلادنا ومنطقتنا.

الأحداث المهمة هى بدء المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية فى واشنطن فى ٥١ ديسمبر ٩٩٩١، برعاية وحضور الرئيس الأمريكى كلينتون، وعلى مستوى القمة بين البلدين متمثلة فى باراك ـ رئيس الوزراء الإسرائيلى ـ وممثل الرئيس الأسد وزير خارجيته فاروق الشرع، واستعداد الحكومة الإسرائيلية لسؤال  الإسرائيليين وأخذ موافقتهم فى استفتاء عام لأول مرة فى  تاريخها حول اتفاقها المرتقب مع سوريا ولبنان، مقابل رد الجولان وجنوب لبنان.

كما أنه من الأحداث المهمة تسارع وتيرة الأحداث فى السودان، بعد قرارات الرئيس »البشير« بإقصاء »الترابى« وفتح الطريق أمام الانفتاح السياسى فى السودان ليستوعب المعارضة الشمالية، ويُقلِّص الضغط الخارجى الساعى إلى انقسام السودان فى الجنوب، فقرارات »البشير« لم تعن إقصاء »الترابى« وحل البرلمان، وفرض الطوارىء كما هى فى شكلها، لكن فى مضمونها هى سعى إلى وحدة التراب السودانى، ووضع حد لمنازعات الساسة والأحزاب السودانية. وفتح الطريق لاستيعاب الجميع فى نظام سياسى مرن ومتقدم لا يكون تحت وصاية الجبهة أو احتكار السلطة فى فريق واحد.

هذه الأحداث وغيرها من الملفات العربية المفتوحة كانت وراء جولة الرئيس مبارك العربية فى شهر رمضان الكريم، التى كانت ـ بحق ـ زيارة غير تقليدية حركت الأجواء السياسية فى المنطقة العربية، ووضعت النظام العربى أمام التحديات التى يواجهها.

وبالرغم من الحرص المصرى على عدم التدخل فى الشئون الداخلية العربية، فإن مصر تفرق دائما بوضوح شديد بين التدخل والدعم العربى ككل للدول العربية، فالمفاوضات السورية ومستقبل السلام وأحداث السودان فى حاجة إلى الدعم العربى ككل، وكانت زيارات الرئيس مبارك العربية تشكل فى مضمونها دعوة للتنسيق والتعاون العربى وراء الأحداث الكبيرة، ومن هذا المنظور فإن نجاح مفاوضات القمة التى أجراها الرئيس مبارك والزعمآء العرب خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وولى عهده الأمير عبدالله فى السعودية، والشيخ زايد فى الإمارات، والشيخ حمد بن خليفة ـ أمير قطر ـ والشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ـ أمير البحرين ـ ولقاءه مع الأخ العقيد معمر  القذافى فى ليبيا، قد حققت أهدافها،

فقد شعر الرأى العام العربى أن الأحداث الكبيرة تستدعى التنسيق والتعاون والتشاور، فالمستقبل العربى يتوقف ـ بالضرورة ـ على قدرة العرب على العمل الجماعى، فالمفاوضات العربية ـ الإسرائيلية على مختلف الجبهات سواء مفاوضات الحل النهائى بين الفلسطينيين والإسرائيليين ـ التى بدأت فى ٣١ سبتمبر الماضى، والتى من المتوقع أن تصل إلى الإطار النهائى إذا سارت الأمور بشكل طبيعى ومستقر مع نهاية فبراير القادم ـ أم على الصعيد السورى واللبنانى، تحتاج إلى حشد كل القوى العربية وراءها، حتى تصل إلى كامل الحقوق العربية، وكانت جولة الرئيس مبارك العربية وراء هذا الهدف، وهذا يحقق رؤية متكاملة تتمثل فى أن الطرف الإسرائيلى يجب أن يعرف بدقة أن الإرادة العربية فاعلة، و قادرة على التغيير والإنجاز، وأن دأب المتابعة المصرية على كل الأصعدة وعلى كل المستويات وحركتها الدءوبة تثبت أن الواقع العربى  المقبل يملك إرادة حية قادرة على تحديد الأهداف وتعمل على تحقيق إنجازها من خلال رؤية استراتيجية متكاملة تربط بين الواقع والمستقبل الذى ينتظرنا.

هذا على صعيد المشاكل والصعوبات التى تواجه المستقبل العربى، وكان شهر رمضان وصفاء الروح والوجدان خلال فترة الصوم فرصة لتمتد المباحثات على مآدب الإفطار والسحور، لتوثيق العلاقات المصرية ـ العربية، والانتقال من التنسيق إلى صياغة رؤية عربية للمستقبل، ولشكل التعاون المرتقب، خاصة على الصعيد الاقتصادى، فالدول العربية لا يمكن أن تستمر فى السير عكس مجرى التطورات العالمية، ففى الوقت الذى يتجه العالم فيه إلى تعزيز التعاون بين الدول بإنشاء التكتلات والتجمعات الإقليمية، مازال العرب بعيدين عن هذه الرؤية.

وهم فى حاجة ماسة إلى صياغة شكل للتعاون الاقتصادى لحماية دولهم القطرية، والاتجاه لوضع أسس تعاون جماعى بشكل مُؤسسى يحمى المستقبل العربى من الضياع والتعرض للتآكل.

ونجحت قمة مبارك الرمضانية فى الشهر الكريم مع الزعماء العرب فى أن تكون بديلا عن القمة العربية الغائبة، لمناقشة القضايا العربية العاجلة، وتوصيل صوت العرب إلى المجتمع الدولى، وإلى الدول العربية التى هى فى حاجة إلى تعضيد ودعم الأسرة العربية، لتحقيق أهدافها وتقوية الاستقرار الداخلى بها، وصولا إلى تحقيق رؤية متكاملة للمستقبل العربى، تتوازن مع التطورات العالمية، وستكشف  الأىام المقبلة أن القمة العربية قادمة، وأن  التنسيق العربى سيكون فعَّالا،

وسيكتب فى تاريخنا أن القائد العربى »مبارك« الذى صنع نصرا عسكريا لقواته فى »٠١ رمضان« عام ٣٧٩١ ميلادية بالضربة الجوية التى فتحت النصر العسكرى للعرب، سيكون هو نفسه القائد الذى يجمع العرب حول التنسيق والتعاون فى قضاياهم الكبيرة، ويدفعهم نحو الوحدة والتعاون السياسى والاقتصادى حماية لواقعهم وضمانا لمستقبلهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى