مقالات الأهرام العربى

من « أرنون » إلى انفجار الجنوب

على غير المتوقع فى منطقتنا ـ وفى سابقة تاريخية ـ حدثت بالنسبة للعرب تطورات إيجابية على صعيد مواجهة الظروف الصعبة التى تواجهها شعوبنا، حيث كان تحرير قرية صغيرة فى جنوب لبنان »أرنون« لم تحررها المدافع، ولكن حررتها الشجاعة، شجاعة الطلاب.. شباب الجامعات اللبنانية، الذين اندفعوا يتحدون سلطات الاحتلال الإسرائيلى والأسلاك الشائكة، ويزيلون الحدود، ويرفعون الاحتلال عن الأرض.. ويجبرون المحتل على الاعتراف بانتصارهم، وعودة القرية الصغيرة إلى حضن الوطن الأم بأيدى شباب صغير، وبحماسهم، الذى كشف ببساطة عن القوة الكامنة فى الشعب العربى، إذا رفض الهزيمة، وصمم على استعادة حقه، ولم ينته الأسبوع، بهذه الصورة الحية والنابضة والكاشفة فى جنوب لبنان،

حتى انفجر الجنوب، وخرج بركان ثائر لفظ حممه على إسرائيل، فأعطت المقاومة اللبنانية درساً يستحق التوقف والإشادة، لم تهاجم المدنيين بل واجهت العسكريين، وقتلت سبعة ضباط كبار فى أقل من عشرة أيام، من بينهم »ايريز جيرشطين«.. الذى يعد من رموز العسكرية الإسرائيلية، ومساعد رئيس المنطقة الشمالية، ليصبح هذا الضابط البارز، ثانى جنرال إسرائيلى يقتل فى جنوب لبنان بعد »آدم رابينوفيتش« الذى قتل عند اجتياح الجنوب.

وهكذا فى غضون أيام، أعادت المقاومة اللبنانية إسرائيل إلى المربع رقم (١) ،وكشفت أمام الرأى العام العربى والإسرائيلى فى وقت واحد، عن حجم »الكروت« والقوى التى تملكها المقدرة العربية، وإذا صممت على مواجهة العدوان وإجبار إسرائيل على التعامل مع العالم العربى بجدية تتناسب مع ما يعرضه العرب على إسرائيل ـ تاريخياً ـ من وضع حد للصراع والاتفاق على سلام عادل يحقق مصالح الجميع، والاستقرار للمنطقة، ففى مشهد الانفجار فى الجنوب، عادت الذاكرة إلى عملية »عناقيد الغضب« ١٩٩٦، والتى تصورت إسرائيل أنها قضت من خلالها على المقاومة، فإذا بها تكتشف أنها قضت على مفجرها »بيريز« ونصَّبت اليمين الإسرائيلى مسئولا عن إسرائيل ومديرا لمفاوضات السلام التى كان نصيبها التجميد ولكنها على الأقل كشفت الوجه القبيح لإسرائيل وأنها هى الدولة العنصرية والمعتدية والمدججة بكل الأسلحة،

وتمارس الاعتداء والنفى للآخر، ولا تقبل بالتسليم بحقوق الآخرين، هذه العمليات والعمليات المضادة لم توقف المقاومة، ولكنها على كل حال عادت قوية وقادرة وأكثر شراسة، وتستطيع إلحاق الأذى ليس بالمعتدى فقط ولكن بالاقتصاص من رموزه، هذه العمليات أعادت منطقة الشرق الأوسط ـ وليس الجنوب فقط ـ إلى التوتر فقد ظهر للمراقبين أنها ليست عمليات محدودة، ولكنها تحمل فى طياتها حرباً مستترة، فالجنوب ليس وحده، ولكنه يعنى سوريا ولبنان، بل كل العرب فأعينهم وأيديهم وعقولهم وقلوبهم مع جنوب لبنان، فهو نقطة تفجير حقيقية للمنطقة،

وبالقطع سوف تكشف كل هذه العمليات »السلام«، إذا لم يتحرك العالم لاستكمال السلام على كل جبهاته بلا استثناء، ومواجهة القوى التى تقف ضد السلام والمفاوضات والحل الشامل، انفجار الجنوب يعنى التساؤل عن مستقبل »أوسلو« و»واى بلانتيشن«، والحل النهائى للفلسطينيين، ويعنى طرح قضية القدس والمستوطنات وعودة اللاجئين، وكل النقاط المتفجرة فى الصراع، ويعنى لسوريا عودة الجولان، ويفجر كل الأوراق على أرض الصراع، ويطرح أمام العرب قضية جوهرية، هى أثر المفاوضات بشكلها الحالى على إسرائيل، وهل تستمر على نفس الوتيرة بالحلول والمفاوضات الجزئية أم أننا أمام مفترق طرق جديدة؟

إننا نسعى ونأمل فى حل عربى شامل، ووفد عربى جديد يضم كل الدول العربية، يفرض على إسرائيل سلاماً شاملاً على كل الجبهات، ويفتح الباب لخريطة جديدة فى المنطقة، تضم دولة فلسطين المستقلة وتنقل المنطقة إلى تعاون إقليمى، يضع مصالح الشعوب العربية فى المقدمة، قبل مصالح النظام العالمى ومصالح الحكام، هل نأمل فى تغيير مرتقب يستثمر الطاقات والطموحات الكامنة فى شعوب المنطقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى