ميلاد ملك

أعتقد أن الأردنيين بالرغم من حزنهم على رحيل ملكهم الحسين بعد أكثر من ٦٤ عاماً ـ يشعرون بالراحة والاستقرار، فلقد أختبر الحسين مملكته لأكثر من ٦ أشهر بعيداً، حينما كان يواجه المرض، فكانت مؤسساتها تعمل بكفاءة، ثم بقرار مفاجىء يوم ٥٢ يناير الماضى، اختبر عائلته الهاشمية بتغيير درامى لولى عهده فقد اختار بديلاً من شقيقه الأمير المخضرم والعالم المتحضر الحسن ابنه الأمير الجندى عبدالله الملك الآن وامتثل الجميع لقرار الملك المؤسس الثانى للمملكة الأردنية، بما أظهر الدولة والعائلة الأردنية بمظهر متحضر، فلم تكن السلطة مأرباً أو مثاراً للصراع والتنافس،
كما تطلع الحاسدون أو محبو القلاقل وراغبو التوتر ومثيرو الرغبات والشهوات، فالأردن بلد رغم صغره وقلة موارده وإمكاناته، فهو كبير الدور والمكانة فى الشرق الأوسط ووسط الشعوب العربية، ويرجع ذلك إلى ما بذله الملك الراحل الحسين عندما تولى السلطة صغيراً فكبر بها وكبر الأردن، ولعل دليل ذلك يظهر الآن للجميع، فهذه المملكة الصغيرة هى محط الأنظار والترقب والمتابعة على الصعيدين العالمى والشرق أوسطى، والعربى ،
فالعالم والعرب يحتضنون الملك الجديد، ويتمنى له الجميع النجاح وأن يعبر العواصف والأنواء التى تحيط ببلاده والمنطقة، الجميع يترقب وينتظر أن يكون الملك القادم »سر أبيه«، وأن يتمتع الوريث لعرش الحسين ببعض من خبراته وقدراته، ويواصل نفس المسار الذى حمى الأردن، ومكن شعبه من الاحتفاظ بمستوى معيشة مناسب وديمقراطية ـ قد تحسدهم عليها شعوب أغنى موارد وبترولاً ومياهاً ـ ولكن الحسين أدرك أن الإنسان هو صانع الموارد، فعمل على تطوير الأردن، وبنى المؤسسات والإنسان.
فحصد عند رحيله مكانة عالمية ستسجل له فى التاريخ الإنسانى ـ كبطل للسلام فى أصعب وأعقد مناطق العالم الشرق الأوسط ـ وهو بانى دولة عصرية وسط عالم، تتفكك دوله، وينهار بعضها.
ومن المهم أن نشير إلى أنه قدم جيلاً جديداً للسلطة والحكم فى بلاده، قد يكون بارقة أمل للشرق الأوسط ومنطقتنا العربية، فميلاد ملك عملية صعبة ومعقدة لمن يعرف أن السلطة ليست ترفاً خاصة لبلد مثل الأردن، هو محط للأطماع نتيجة الظروف الصعبة وشح الموارد.
الملك القادم عبدالله، جندى مطيع امتثل لقرار والده رغم علمه بصعوبة الموقف ودقة المرحلة، هذا القرار الذى حرم الابن حتى من أن يحزن على والده فهولا يملك الوقت أو رفاهية الحزن.
وربما يشعر بسعادة داخلية ليس للملك والدور القادم، ولكن لأن والده ترك له دولة متماسكة ومؤسسات تعمل، وشعباً يحب الملك الراحل ويثنى عليه، ويحترم دوره وما فعل، وينتظر أن يبنى عليه وسوف يعطيه الفرصة كاملة، ولكنه يعلم أنه سيكون هناك حساب عسير، والمقارنة ستكون ظالمة بينه وبين ملك راحل ذى مكانة عالية وأعمال بارزة.
العالم احتضن الملك الجديد، توافد الجميع مهنئين مباركين، كما حضر العالم وزعماؤه معزين مشاركين فى تشييع الراحل.
ومن جانبى أعتقد الآن أن الملك القادم، فى حاجه إلى الدعم العربى والعالمى، وكما يحتاج أكثر إلى صبر الشعب الأردنى وهدوئه، وتخفيف الضغوط السياسية لأصحاب الطموحات المشروعة وغير المشروعة، فهو فى طريقه إلى ترسيخ دولة المؤسسات وتوسيع الديمقراطية، ولكن حماية البلاد واستقرارها يجب أن يكون هدفاً سابقاً على كل شىء، فهو الطريق لشعب ودولة صغيرة للحفاظ على مستوى المعيشة والنمو الاقتصادى لجميع المواطنين.
كما أنه فى حاجة إلى احتضان أكبر من عمه الأمير الحسن ولى العهد السابق، الذى يملك حكمة وعى الدرس التاريخى، وفرعاية الحسن الملك الجديد، وإخلاص النصح والمشورة لابن شقيقه، الذى يعرف جيداً أنه لم يكن طامحاً إلى العرش، أهم من العرش نفسه، فالدور والمكانة لا يصنعهما الكرسى أو الملك وحده، لكن أيضاً الإخلاص للشعب والوطن هو الذى يصنع أمجاداً داخلية يعيش علىها الإنسان، ولا يبددها الرحيل، فمكانة الحسين الراحل، لم يصنعها عرشه ولكن دوره وعمله.
هنيئاً للأردن بمؤسساته.