مقالات الأهرام العربى

رياح الاعتدال

لا أريد المبالغة، فى وصف عودة حزب العمل ورئيسه الجديد باراك إلى الصدارة السياسية فى إسرائيل، وتوليه رئاسة الوزارة، بعد ثلاث سنوات تولى فيها الليكود واليمين الإسرائيلى، وتصدر »نيتانياهو« أو »بيبى« صدارة الحياة السياسية فى إسرائيل، وتولى قيادة التفاوض مع الفلسطينيين، خلفا لرابين وبيريز ـ نجمى السياسة الإسرائيلية، وصانعى أوسلو ووادى عربة مع الفلسطينيين والأردنيين ـ اللذين فتحا للمنطقة بابا للسلام فى التسعينيات، واستكملا مسيرة كان قد بدأها ليكود »بيجين« مع السادات فى نهاية السبعينيات، ومبعث الخوف والترقب هو أن باراك قيادة جديدة للعمل لا نعرف أسلوبها ولم نختبرها بعد، مثلما كان »نيتانياهو« قيادة مجهولة لنا وجديدة لليكود، عندما ظهر على مسرح الحياة السياسية،

وكان يبدو أنه شخصية قوية وقادرة، ويجيد الحديث مع الكاميرات التليفزيونية، كما يجيد اختيار الكلمات والملابس، وحَبك الشعارات، فأطلق عليه الإسرائيليون »الولد العجيب«، وفجأة سقط »العجيب«، وبقى »الولد«، لكننا بالقطع ومع الانتظار والترقب للتغييرات الحادة والمثيرة التى أتت بـ »باراك« والعمل، وبأغلبية مريحة فى الكنيست، نتوقع تغييرات كبيرة على مسرح الحياة السياسية فى إسرائيل، وبينها وبين العرب، خاصة فى مفاوضات الحل النهائى مع الفلسطينيين، ومع السوريين واللبنانيين، مع اشتعال الجنوب، ورغبة الإسرائيليين فى وضع حد للصراع الإقليمى، واستكمال قطار السلام الذى بدأ رحلته، وعليه أن يتوقف فى محطة مناسبة لكل الأطراف،

ومبعث توقعنا للتغيير أن هزيمة »نيتانياهو« لم تكن متوقعة بهذا الدوى، وبتلك النسبة الفادحة، فهو سقوط مروع، وبالقطع فى ذلك رسالة واضحة من الشعب الإسرائيلى إلى العالم، وإلى منطقة الشرق الأوسط، فما حدث ليس انتصارا لباراك وحده، لكنه هزيمة فادحة لنيتانياهو، وأسلوبه فى الحكم، ورؤيته لمستقبل بلاده والمنطقة وعلاقتها بالعالم، ولاشك أن أول المستفيدين بها سيكون رئيس الوزراء الجديد »باراك«، الذى يطمح فى أن يكون سجله السياسى الذى يخطه الآن شبيها بسجله العسكرى من أجل بلاده.

وإذا كنا نحن العرب نعتبر سجله العسكرى غير مشرف لنا، ويقرنه بالسفاحين والقناصين، فهو بالنسبة للإسرائيليين قد بذل جهدا كبيرا فى خدمة دولته.

ونحن نتصور أن العصر الراهن هو عصر السلام، ولن ينجح فيه القناصون والمغامرون والأفاقون، والذين لا يلتزمون بعهودهم وباتفاقياتهم، والذين لا يتقنون غير الكلام، ولكن لا يحترمونه، وهكذا فعل نيتانياهو، فقد تصور أن المراوغة بديل عن العمل وطريق لكسب الوقت، فخسر قضيته، ولم يستطع أن يكمل مدة حكمه، ونعتقد أنه سيودع الحياة السياسية غير مأسوف عليه، وسوف يكتشف باراك ـ ولعله اكتشف ذلك بالقطع ـ أن مستقبل إسرائيل يكمن فى استكمال طريق السلام، والرهان على التعايش السلمى مع العرب، وهذا لن يتحقق بدون عودة الحقوق المشروعة إلى أصحابها،

وتقرير مصير الشعب الفلسطينى، وقيام دولته المستقلة فى المنطقة وعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم، والتوصل إلى حل مُرض لأصحاب الأديان السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية، فى المدينة المقدسة »القدس«، وكذلك فى استكمال مفاوضات السلام مع السوريين عند النقطة التى انتهت إليها مع حزب العمل قبل صعود نيتانياهو فى السنوات الثلاث العجاف المنقضية، والانسحاب من الأراضى المحتلة فى الجولان وجنوب لبنان، والتوصل إلى اتفاقية سلام ملزمة لإسرائيل وللأطراف العربية ككل، وهكذا قد يدخل »باراك« السياسى الإسرائيلى القادم من العسكرية الإسرائيلية،  التاريخ من باب كبير، فتحه بيجين وسار فيه رابين، وبيريز، ودعم ذلك إسرائيليون كبار مثل فايتسمان.. وغيره.

فصناع السلام والمعتقدون به كثيرون، ولعِّلى لا أبالغ إذا قلت إن كل العرب أصبحوا مقتنعين بالسلام والتعايش، ولذلك انتظروا وراهنوا على الانتخابات الإسرائيلية، ليس من باب التدخل فى الانتخابات، فنحن نعرف مزاج الناخب الإسرائيلى، وليس من الضعف والانتظار للقادم فى إسرائيل، لكن بالمعرفة الدقيقة لروح العصر، وللتطورات الإقليمية والعالمية، ولمصالح الإنسان المعاصر سواء أكان عربيا أم إسرائيليا، فهى مرتبطة بالتوصل إلى حلول عادلة وإلى سلام حقيقى.

ونتصور أن رياح الاعتدال قد أتت بـ »باراك« إلى السلطة فى إسرائيل، وعلى العرب أن يتكاتفوا ويواصلوا التفاوض من موقع الندية والقوة للوصول إلى حلول عملية، تفتح الباب لتغيير حقيقى فى الشرق الأوسط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى