مقالات الأهرام العربى

حتى لا نضيع للحرية بنية أساسية

إذا غابت الحرية عن شعب أو مجتمع، فعلينا أن نتوقع دائماً الأسوأ، والمجتمعات العربية كلها دخلت القرن العشرين، وهى تكافح الفقر والاستعمار وغياب المؤسسات الاقتصادية والسياسية الفاعلة والمؤثرة، وندخل القرن الجديد، الذى يفتتح الألفية الثالثة، وكل ما نملكه آمالاً وبدايات، والمؤشرات تقول إن حجم اقتناعنا بالتغيير والتواؤم والتكيف مع المتغيرات الجديدة يتم بصعوبة بالغة، بل إننا نتعلم تحت الضغط والضرب، وذلك أصعب أنواع التعلم والتكيف، فهو يتم بدون جماهيرية أو روح، ولعل حرب الخليج الثانية أكبر مثال على انتهاك الحرية، وخير دليل على الواقع الصعب، الذى جرد العرب من المدخرات وتراكم الثروة، الذى تم فى حقبة البترول الاقتصادية لتسلب العرب من مزايا أهم سلعة يملكونها، وتجعل النفط ـ الذهب الأسود ـ يفقد بريقه نهائياً ويصبح سلعة ككل السلع، متوافراً فى الأسواق، بل يتحكم فى أسعاره المستهلكون لا المنتجون،

فإذا أضفنا بعداً مهماً وهو أننا لسنا منتجى النفط، فالمنتج الحقيقى هو الشركات العالمية التى تتقاسمه مع من يملكونه لعرفنا الواقع الأسوأ الذى نعيشه.. وإذا عدنا إلى الحرية الغائبة، فنحن جميعاً ندخل الألفية الجديدة مقتنعين ـ وتلك حقيقة لا شك فيها ـ بأهمية الحرية وفضيلتها للمجتمعات العربية، أما غير المقتنع فإذا نظر  حوله، لاكتشف ورأى وسمع ما يحدث الآن لشعب العراق، وما آل إليه الوضع من إفقار لا حد له.

رغم وضع العراق المميز بين العرب، إنهم يملكون الثروة والإنسان والمياه ولا ينقصهم شىء، إلا الحرية ومؤسساتها، لكن سطوة الحمقى والجهلاء هى وراء ما يحدث لهذا البلد العزيز، ولا يمكن أن تجرى وراء المستفيدين الذين يبررون كل شىء لأعداء الحرية والمؤسسات، فينسجون فى العقل العربى خيوط المؤامرة العالمية، لإبعاد المسئولية عن شبح الجهلاء الذين وقعوا فريسة سهلة وطيعة للمؤامرة، وأصبحوا يتحركون بين أصابعهم »بالريموت« لكى يحققوا لهم ما يريدون، ويسلبوا شعوبهم من كل ما تريد.. حتى ولو كانت أبسط احتياجات الإنسان من الغذاء والدواء.

وهكذا انقسم العرب، وضاعت الثروة، وأصبح الآخرون يتحكمون فى صناعة واقع العرب ومستقبلهم، يستغلون كل شىء وتلك حقوقهم، فهم يملكون الحرية والمؤسسات ونحن يتحكم فينا الأفراد وتغيب المؤسسات.

لا نملك بنية أساسية مناسبة لإقامة النظام الديمقراطى، فالحرية هى أصعب أنواع المسئولية ولا يملكها حقيقة، إلا كل قادر على صياغتها ومعرفة حقها. وإذا أخذنا كلمة »الحرية« وأطلقناها فى العقل العربى، بدون مستلزماتها لأصبحت مرادفاً، وسارت فى مجرى »الفوضى« وهى أصعب وأقسى وأمرُّ على الشعوب من غيابها، ولكل من يريد أن يعرف معنى الفوضى والتحلل والتفكك، عليه أن ينظر ولن ينظر بعيداً ولكن حوله ـ ليكتشف الصراع فى الصومال وإذا عاد إلى ذاكرة التاريخ، لأشار على من حوله إلى لبنان قبل الحرب الأهلية.

كلنا نبحث عن الحرية، ولكن كيف نصل إليها؟

نريد التنافس وتداول السلطة، واختيار الأفضل للقيادة، ولكن كيف نصل إليها؟ نريد الوصول إلى الرضا العام ولكن كيف نصل إليه؟ نريد صناعة الرأى العام المستنير الذى يفرق بين الشعار، وحقيقة العمل، الذى يسعى للوصول إلى الحقيقة، ولا يبرر لنفسه الأخطاء نسعى إلى بناء مجتمع حديث، وإنسان معاصر، يستطيع أن يتنافس مع العقل الأوروبى والغربى، ويهزمه ليس فى محطات الإذاعة والتليفزيون أو الصحف فقط، ولكن فى المعامل والمستشفيات والمصانع والحقول والأسواق، يصنع حقيقة، ولا يعيش فى الأوهام ثم يتساءل لماذا الهزيمة؟، ولماذا نحن دائماً ضحايا ومظلومون المسئولية الجماعية وحقائق الحياة تلزمنا أن نفهم وأن نصيغ حياتنا برؤى جديدة وحقائق علمية مختلفة، وأن نقبل المنافسة، إذا كنا فعلاً نريد تغيير واقعنا، والتعامل بحقائق العصر.

نعم نريد الحرية والديمقراطية، ولكن يجب أن نعرف أن للحرية بنية أساسية، مثلها مثل الاقتصاد، الذى له بنية أساسية مفتاحها الطرق والمواصلات والكهرباء، وللديمقراطية بنية أساسية مفتاحها بناء المؤسسات وصحوة الضمير الغائب، وأن نسقط من قواميسنا لغة تبرير الأخطاء لأنفسنا أولاً، ثم للمسئولين ثانياً، فلا يمكن أن نغير واقعنا دون أن نغير أنفسنا، « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» حرية الرأى جزء من الحريات العامة، ومؤسساتها وسائل الإعلام، وهى جزء لا يتجزأ من المجتمع المدنى، الذى أصبح له  حق الحكم وتداول السلطة فى المجتمعات الحديثة والمتقدمة، ولكى يتم كل ذلك فى عالمنا العربى، علينا جميعاً أن نستيقظ على أصوات إعلاء قيمة المؤسسات وتدريب المجتمع على الحوار المفيد،

وإعلاء شأن التعليم والتدريب والاهتمام بالإنسان وبحقوق الإنسان، وأن نعرف أننا إذا لم نتجه إلى إقامة هذه المؤسسات وخلق البيئة الجديدة، ستهرب الأرض من تحت أقدامنا، وستسرق أحلامنا وستبدَّد، ولن نحقق أى إنجاز فى الصناعة أو الزراعة، أو الخدمات، وستنتقل القدوة والإدارة للآخرين وخارج أيدينا وعلينا فى هذه الحالة ألا نلوم إلا أنفسنا.. ولا نلجأ مرة أخرى إلى توظيف المؤامرة القادمة من الخارج، والمتسلطة على أذهاننا، ونتهم العولمة والازدواجية بأنهما المسئولتان عن هروب المواطنين وانتقال الولاء، وغياب الدولة،

وتفشى الفوضى والعشوائية، وألا نكرر لعبة الخطيئة، ونحاول أن نبدو أبرياء ونغسل أيدينا من أخطائنا، فالعجلة تدور والتطور والنمو والتحديث ووحدة السوق، وحركة الإنسان والمعلومات والسلع، خلقت واقعاً جديداً ولن تنتظر أحداً، والمخطىء ستوقَّع عليه العقوبات، ولن يستطيع أحد الهروب، انتبهوا، فالدروس عيَّنة وبيَّنة، والجريرة ستقع على من لا يفهم ولا يعى، والزمن لم يعد يلعب معنا، بل يلعب ضدنا، ولا أريد أن أقول انتهى الدرس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى