حبس النواب وحبس الصحفيين

إذا نظرنا إلى الأحداث الراهنة فى مصر على أنها أزمة للديمقراطية، لارتكبنا خطأ فادحا، فالبعض يصور تحقيقات النيابة مع نواب القروض على أنها كارثة فادحة، وإذا نظرنا إليها بموضوعية لوجدنا أن هؤلاء النواب حصلوا على تسهيلات بنكية بحق أو بغير حق، فذلك هو موضوع التحقيقات، فالقضية المطروحة تتعلق بقروض صُرفت لرجال أعمال، تصادف أنهم نواب فى البرلمان، وكان من الضرورى رفع الحصانة البرلمانية عنهم، وتقديمهم إلى المحاكمة، لأن القضية موضع البحث لم تحدث فى البرلمان، ولم تكن تدخلا حكوميا ضد نواب من المعارضة، مارسوا حقهم فى نقد الحكومة وكشف عوراتها، فهم جميعهم أو معظمهم نواب من الحزب الوطنى الحاكم، ومن عائلات كبيرة وأسماء بارزة، ومصاهرتهم لأسر عريقة تكشف عن تجذرهم فى صدارة الحياة العامة.
وخطورة هذه القضية تكمن فى أنها تمس صميم الاقتصاد المصرى، وترتبط بحركة المال، ودور الجهاز المصرفى، فى إثراء المشروعات وتنمية الأعمال، ونمو القطاع الخاص فى مصر، والخطر الماثل أمامنا هنا، هو غياب البنك المركزى المصرى، فهو لم يوضح لنا حقائق هذه القضية، وهل هناك أخطاء فى القرارات المصرفية التى أذنت لهولاء النواب ـ أقصد رجال الأعمال ـ بالحصول على أموال للمضاربة فى العقارات، أو فى إقامة المشروعات؟ وهل أرباح هؤلاء المتورطين فى الحصول على القروض قادرة على سداد ما حصلوا عليه؟ وهل يملكون أصولا تحمى أموال المودعين ولا تعرضها للخطر؟
وإذا توصلنا إلى حل لهذه المعضلة ببيان تفصيلى من البنك المركزى الغائب عن ممارسة دوره، وكشف مكامن الخطر فى هذه القضية الحيوية، لاستطعنا فى فترة قليلة تجاوز هذه القضية الحساسة، والتى تطرح أزمة الاقتراض من الجهاز المصرفى، ولمن تذهب قروض البنوك وكيفية تشغيلها؟ هذا على الصعيد الاقتصادى، أما الصعيد السياسى، فالقضية تطرح وبعمق كيفية ممارسة العمل السياسى، ومستقبل البرلمان المصرى عام ٠٠٠٢، وهل سنضع شرطا لضرورة تفرغ النواب للعمل العام والسياسى، حتى نستطيع أن نصل إلى برلمان قادر على التشريع والرقابة بدون »شوشرة« أو »تشويش«؟
فى النهاية فإن القضية كشفت قدرة الأجهزة والقضاء على كشف الفساد والعورات، وتعريتها أمام الرأى العام، وتصحيح الأوضاع، وبقى أن نعرف من خلال البنك المركزى مصير الأموال والقروض الضائعة ومعدلات السداد.
أما حبس الصحفيين، والذى تزامن مع حبس نواب القروض، فهو قضية حساسة للغاية، وأحد ذيول قانون ٣٩، الذى أمكن تصحيحه بواسطة نقابة الصحفيين ونقيبها البارع إبراهيم نافع، ونتصور أن الفرصة ذهبية أمام نقيب الصحفيين إبراهيم نافع لتصحيح وضع شائك، يعيش فيه الصحفيون، بسبب قضايا النشر، وكيف يمكن حل هذه المعادلة الصعبة؟ وهى الاستغناء عن الحبس بالغرامات، ولتكن قاسية يدفعها الصحفى والصحيفة التى تمارس القذف، لكن الحبس قضية تقف ضد حرية الرأى والمساس بتطوير ونمو الصحافة، وتقوية البنيان الديمقراطى لمصر، ولسنا مع حبس الصحفيين، كما أننا لسنا مع القذف والسب وممارسة حرية توجيه الاتهامات، دون وجه حق، ومن حق الجميع ممارسة حرية الرأى بدون تخوين أو إلقاء التهم جزافا، أو صنع بطولات وهمية، فنحن جميعا مع تقوية النظام الديمقراطى وبناء المؤسسات، ولن يتم ذلك بالحبس أو التخوين، لكن بممارسة حرية الرأى بعقلانية، وحرية التعبير بدون سيف مسلط على الرقاب.