حوار مع أخى الصغير

فاجأنى شقيقى الأصغر المهندس، بمتابعته الدقيقة لما جرى فى مصر أخيرا، بعد تشكيل الحكومة الجديدة، فبادرنى بسؤال هل حقق التغيير لوزارى طموح البلاد فى تغيير حقيقى؟
ودخلت معه فى حوار وقلت ثق وكن على اقتناع بأنه لن يكون من الطبيعى أن يقبل الناس والمجتمع بالتغييرات التى تحدث فى الحكومة، بالذات فى هذه المرحلة التاريخية من تطور الوطن والمجتمع، فهناك صحوة عارمة داخلية، ورغبة فورية لدى الشارع فى الانتقال من حال إلى حال وبأسرع ما يمكن، بعد أن شعر المواطن العادى ـ وغيره من كل فئات المجتمع ـ بتحسن نسبى فى وضع مصر الاقتصادى، وفى الخدمات المختلفة، وفى هذه المرحلة يكون إحساس المواطن كالطفل الذى يبدأ الإدراك والحس فى مراحله المبكرة، فيتصور أن والده أو »المجتمع« قادر ـ إذا أراد ـ على أن يغير كل شىء فورا، وبما يلبى كل طموحه ورغباته.
وفى هذه الحالة، لو وافق والده أو ولى أمره على تلبية رغباته الفورية، لعدنا إلى الوراء، ونسينا أن أمامنا هدفنا الحقيقى الذى يجب ألا نحيد عنه، وهو زيادة قدرة الوطن، وفاعليته فى تلبية احتياجات كل أبنائه ورغباته، بزيادة معدلات النمو وتعظيم الثروة والقدرة على تقسيمها بالعدالة، ومراعاة كل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة كفاءة النظام الإدارى، وتوسيع نطاق المشاركة وزيادة الأدوار لكل فئات الشعب سياسيا واقتصاديا، للحصول على مزيد من الرضا والاستقرار، وتلك عملية صعبة وشاقة وطويلة، وتحتاج إلى عمل متواصل، وتغيير حقيقى مدروس.
رد شقيقى وهل كان الجنزورى وطلعت حماد وأحمد جويلى وماهر أباظة وغيرهم ضد هذه الأهداف، فى حين أن غيرهم يحققها؟ وما المعايير التى تحكم استمرار وزير وخروج آخر؟
قلت فى الوقت الراهن، المعايير لن ترضى الجميع، خروج رئيس الوزراء واختيار آخر جديد، لا يقلل من كفاءة الأول ولا يعلى من قدر الآخر، لكن لكل مرحلة شخصيات وأدواراً فى عقل متخذ القرار، لها معاييرها المعقولة، وهى بالقطع نسبية هى الأخرى، لكنه يضع أهدافا ويحاول تحقيقها، وذلك هو الأهم، وقد رأينا تغييرا حقيقيا فى مضمون وشكل القيادة، فالرئيس الجديد لمجلس الوزراء ألغى مركزية القرار و»الواسطة« بينه وبين الوزراء، بإلغاء منصب وزير شئون مجلس الوزراء، وقرر فى اليوم الأول لحكومته فك الارتباط بين أكثر من ٧١ هيئة ورئيس المجلس، وأعاد الاعتبار إلى منصب الوزير، وحدد شكل السلطة التنفيذية ـ التى يرأسها رئيس الجمهورية ـ بوضوح ودقة وعدم ازدواجية فى المعايير والقيادة،
فالرئيس هو رئيس للوطن، وبالقطع رئيس للوزراء، ومهمة رئيس الوزراء هى القدرة على التنسيق والاستماع إلى رغبات الشعب وتحقيق صالح الوطن بدون استعلاء أو غرور أو خيلاء، وقبول النقد والرأى الآخر، وهذا ما ظهر بالقطع فى أسلوب تعامل رئيس مجلس الوزراء منذ اللحظة الأولى لتكليفه، وفى لقاءاته المستمرة مع كل من طلب مناقشته، وكان منفتحاً على الرأى العام، وهو ما يعنى أن سياساته ـ بالقطع ـ جديدة ومتغيرة عما سبقتها، ولا داعى للمقارنة بينها وبين المركزية الشديدة، وتسلط وزير شئون مجلس الوزراء، والمشاحنات التى حدثت داخل المجلس السابق، مما أدى إلى تأخير بعض الأعمال المهمة، وإشاعة جو من المنافسة وعدم الثقة، داخل مجلس واحد، بل تهميش عناصر وزارية مهمة وتقليص أعمالها، وكان الشارع يسأل إذا كان هناك وزراء مهمشون، فماذا يفعلون بالآخرين؟
وهذا ما أدى إلى اللامبالاة، وقلل من نسبة المشاركة.
ونستطيع أن نقول إن التغيير أدى إلى اختفاء عدد من مراكز القوى الكبيرة، وفتح الباب واسعا أمام مشاركة الآخرين.
ورد علىَّ شقيقى ألم تحتفظ مراكز قوى قديمة ـ بقيت بعد التغيير ـ ووزراء كبار مثل والى والشريف وكمال الشاذلى وبهاء الدين وفاروق حسنى وإبراهيم سليمان وغيرهم بمواقعهم الوزارية لسنوات طويلة؟
قلت نعم هذه حقيقة، فالوزراء القدامى لهم سنوات طويلة فى الوزارة، وكان هناك شعور ورغبة لدى الكثيرين فى التغيير، لكن التغيير أو الاستمرار هو رهن بتقييم الرئيس، ورئيس وزرائه من منطلق أن الباقين مازال لديهم ما يقدمونه للعمل الوزارى، وأنهم يملكون مَلكة التغيير والتكيف مع المرحلة الراهنة، والدور المستقبلى، وإذا شئت التقييم الحقيقى للوزراء القدامى فى الحكومة الجديدة فإنهم لم يكونوا مراكز قوى بقدر ما كانوا مراكز عمل قوية، وبصماتهم فى أعمالهم لا يمكن إنكارها أو تجاوزها.
وأعتقد أن درس الحكومة السابقة، سوف يكون ماثلا أمام أعين الجميع، ويلزمهم ببرنامج جديد وأسلوب مختلف فى العمل الحكومى، يتناسب مع ما أبداه رئيس الحكومة د. عاطف عبيد من تغيير فورى فى مضمون وشكل عمل رئيس مجلس الوزراء.
أما الأهم وأكثر مناطق التغيير حيوية ووضوحا، فهو التوجهات والسياسات التى حددها الرئيس مبارك، بدءا برئيس مجلس الوزراء والوزراء القدامى والجدد. فالرئيس مبارك هو صانع التغيير وصاحبه.
وتكليفات الرئيس مبارك إلى مجلس الوزراء فى جلسته الأولى حددت المعالم، وهى تصب ـ فى بعدها الأول ـ فى اتجاه رفع قدرة مصر الاقتصادية من خلال تنفيذ المشروعات العملاقة، وبُعدها الثانى فى اتجاه إزالة معوقات الاستثمار، وتعبئة جهود المجتمع فى إنتاج التكنولوجيا وتنمية الصادرات، وخفض العجز التجارى، وفى بناء دولة متماسكة والتحول إلى دولة المؤسسات وتأهيل الشباب وتقديمهم إلى الصفوف الأولى، كما أنها فى بُعدها الثالث تركز على مراعاة محدودى الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية ورعاية الأسرة المصرية وتنظيم الزيادة السكانية.
ولعلنا نتوقف ـ بالكثير من التأمل ـ أمام الوزراء الجدد من الشباب المصرى المؤهل والقادر على حمل الأمانة، وتلك الإضافة التى يقدمها الرئيس مبارك ورئيس وزرائه عاطف عبيد إلى مصر من خلال القدرة على التغيير والاستمرارية بكفاءة وأداء متميز. وهم وزراء مبشرون وشباب د. مختار خطاب ـ د. أحمد الدرش ـ د. أحمد نظيف ـ د. على الصعيدى ـ د. مدحت حسانين ـ المهندس أمين فهمى ـ د. على الدين هلال ـ د. حسن خضر ـ الدكتور سيد مشعل ـ الدكتور مصطفى الرفاعى ـ د. أمينة الجندى ـ والضابط القدير مصطفى عبدالقادر ـ انتظروا من هؤلاء العلماء والأساتذة تغييرا وتطويرا للأداء الحكومى فى مصر، فى تناغم بعيدا عن أجواء المشاحنات والتوتر.
فالجميع يستظلون بمرحلة جديدة وتوجهات مختلفة ورؤية متكاملة للعصر فى ظل قيادة الرئيس حسنى مبارك المتجددة والمتغيرة دوما نحو الأفضل.