مقالات الأهرام العربى

أجواء أزمة مفتعلة فى الشرق الأوسط!

فى غمرة انفعال القاهرة باحتفالات العىد الفضى لانتصار أكتوبر ٣٧٩١.. اشتعل فتىل أزمة إقلىمىة جدىدة فى الشرق الأوسط »الأزمة التركىة ـ السورىة«.

وفى أثناء الندوة الاستراتىجىة المهمة والمتمىزة، التى نظمتها القوات المسلحة المصرىة بمحاور متعددة عسكرىة وسىاسىة واقتصادىة واجتماعىة.. عكست الرؤىة الشاملة والناجحة للمؤسسة العسكرىة المصرىة فى التأرىخ لحرب أكتوبر برؤىة مستقبلىة.. سعىا إلى تحوىل النصر العسكرى إلى نصر شامل وبناء صحىح للأوطان.. وبذات الرؤىة الشاملة كان الخط الواضح للمناقشات مزيجا بىن النخبتين العسكرىة والمدنىة فلم ىقتصر على انشغالهم بالهم المصرى فقط، بل تعداه إلى الهم العربى ككل، وكانت الرؤىة الإقلىمىة سائدة.

لم ىمنع كل ذلك الرئىس حسنى مبارك ـ رغم اهتمامه بالحوار الذى افتتحه واختتمه بكلمات واضحة ومحددة حول المستقبل العربى.. وطرىق الخروج من الأزمات ـ أن ىسارع بزىارات سرىعة بىن العواصم العربىة المؤثرة، ودول الأزمة الجدىدة لفك الاشتباك وفتح الطرىق للحوار، لتجنىب المنطقة صراعا جدىدا لن ىستفىد منه أحد إلا مشعلو الأزمة.. وإذا لم نستطع أن نضع أىدىنا علىهم.. فعلىنا أن نتقصى الحقائق لنعرف من هو المستفىد من وراء هذه الأزمة الجدىدة؟

لن نسارع ونقول ـ كما قال الكثىرون ـ إن التحالف التركى ـ الإسرائىلى.. ىشعل الأزمة الجدىدة.. وىتطلع إلى اشتباكات وحروب تشمل العالم الإسلامى.. لن ىكون آخرها الحرب التركىة ـ السورىة »إذا اشتعلت«.. فهناك بوادر حرب أخرى، ولهىب آخر قد ىشتعل بىن »طالبان« فى أفغانستان وإىران.. وبداىة صراعات وحروب.. ستقوى جناح التطرف والإرهاب القاطن فى الشرق الأوسط.. والذى ىتربص منذ سنوات للإطاحة ببوادر السلام التى نمت فى منطقتنا عقب حرب أكتوبر ٣٧، والتى فتحت طرىق التفاوض والحلول السلمىة لبؤر الصراع المشتعلة.. خاصة الصراع العربى ـ الإسرائىلى، ونجحت بعض الجهات فى وضع حد للاقتتال والصراع، الذى أثر وجعل شعوب الشرق الأوسط، أقل شعوب العالم حظاً من الاستفادة بثرواتها.. مما أخرَّ نموها الاقتصادى.. لتتخلف وتقترب كثىراً من أفقر شعوب العالم.

لكننا نتساءل فقط ما مصىر منطقة الشرق الأوسط وشعوبها، وما القوى التى تلعب بمصالحها وتزجُّ بها فى صراعات مستمرة لا تنتهى؟

لن تغلبنا نظرىة المؤامرة السائدة فى التفكىر العربى.. ونتساءل ـ وسط أجواء الأزمة الجدىدة بىن تركىا وسورىا ـ ألىست الأسباب المعلنة واهىة.. سواء كانت حول الإسكندرونة.. أو المىاه والأكراد وتسلىم »أوجلان«، كل هذه الأسباب ليست جديدة، فرغم أنها مشاكل كامنة وصعبة، وتحتاج إلى تفاوض للبحث عن حلول، إلا أنها بالقطع لا تصنع أزمة، أو تضعنا أمام حرب جديدة، وإذا ما تساءل مشعلوها عما يمكن الاستفادة منها، فلن يجدوا شيئا، إلا نقل الصراع بعيدا عن نقاط الالتهاب الحقيقية والأزمات المشتعلة فعلا،

ورغم إحساسى بقدرة الرئيس مبارك وبعلاقاته الوثيقة بسوريا وتركيا، وحجم المصداقية والثقة التى يتمتع بها لدى الدولتين، والمسئولية والمكانة الدولية التى اكتسبها فى إدارته للسياسة الخارجية المصرية.. والثقل الدولى والإقليمى الذى يتمتع به، فهو يستطيع، بل سيتمكن من فتح الطريق أمام سوريا وتركيا للتفاوض واحتواء الأزمة المتفجرة، والأهم، أنه سيضع تركيا وسوريا فى مسيرة التفاوض إذا اقتنعت الدولتان بأنه لا طائل من وراء المواجهات العسكرية إلا إهدار الموارد وتبديد طاقة البلدين.

ولكن تساؤلى مازال ملحا، فأجواء هذه الأزمة بأن البنيان السياسى لمنطقة الشرق الأوسط مازال هشا وضعيفا، وتزلزله مشاكل ما كان يمكن أن تكون أزمات، إلا أن وراءها دائما مفجرا.

ألم يأن الأوان لنستيقظ كشعوب عربية وشرق أوسطية ونضع حدا لصراعات وحروب نتجت عن أسباب واهية، وبددت الطاقات وأهدرت الموارد، وأضاعت مستقبل أمم وشعوب، كان من الممكن أن تتقدم، ويكون لها دور فى محيطها، وإلا ماذا تقولون عن الحرب الإيرانية ـ العراقية، ثم أزمة الخليج الثانية، واحتلال العراق للكويت، ومن قبلهما الحرب اللبنانية الأهلية، وحروب التطرف فى أفغانستان والجزائر؟ ألا تتساءلون معنا عن حجم الخسائر والموارد التى ضاعت؟ هل كان من الممكن أن يستجيب مفجرو هذه الصراعات، ويستوعبوا دروس هذه الحروب العبثية؟

ذكرتنى هذه الأزمة بالصراعات التى تؤدى إلى تبديد الموارد التى نحن أحوج ما نكون إليها، ولكن حركتنى أحاسيس أن القيادة المصرية التى قادت مصر فى حرب أكتوبر، واقتنعت بأن السلام العادل تحميه القوة، واستكملت مسيرتها التفاوضية باسترداد حقوقها بالكامل، واقتنعت بأن الحوار والتفاوض والحجة القوية تنتصر دائما، فلم تبخل على شعوب المنطقة من حولها، إيمانا بأن مستقبلها ككل ينعكس على كل جزء فيها، فهى تعمل جهدها على رأب الصدع، وفك فتيل الاشتعال، وأن دورها يتجدد لشعوب الشرق الأوسط، ومثلما عملت بقوة فى أوائل التسعينيات على تجنيب العراق ويلات الصراع الذى انقلب عليه باحتلاله للكويت، فهى تلعب الدور نفسه بالشرح والتحليل لكل دول المنطقة، حتى لا تكون فريسة للتطرف والإرهاب.

إن الدور المصرى وضح بالشرح والتحليل للإسرائيليين ولحكومتهم المتطرفة عواقب التخلى عن فكرة السلام العادل، وعاقبة تسليم مقاليدهم للتطرف والإرهاب الذى لن تعصم منه قوة عسكرية أو دعم خارجى أو أسلحة نووية، فالاستقرار والأمن لن يتحققا بدون سلام عادل وروح تفاوضية تتسم بالإنصاف والعدالة للجميع.

دفعنى كل ذلك لأتساءل عن موقف اليمين المتطرف الحاكم فى إسرائيل، والذى يسعى إلى الزج بالمنطقة فى صراعات تذهب بنا بعيدا عن الأزمات الحقيقية، لنظل نعيش فى  أجواء أزمة لا تنتهى، لأن وراءها دائما التطرف والإرهاب وحكوماته التى تنتعش فى أجواء الأزمات والحروب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى