صدام المفاجأة الظاهرة

يختزن الذهن أن شهر أغسطس للإجازة، ولكن منذ بداية التسعينيات، وقد تحول إلى شهر صدام.. حيث يتكرر فى الذهن العربى العام.. مشاهد احتلال وحرب تحرير الكويت.. وبالرغم من جرم احتلال الشقيق للشقيق، والاعتداء وتحويل دولة عربية ذات سيادة وعضو بالجامعة العربية وبالأمم المتحدة إلى إحدى محافظات دولة أخرى، فى مشهد قد لا يتكرر فى عالمنا العربى مرة أخرى.. فإن مأساة حرب الخليج وحجم خسائرها الكبير، تكشف عن وجود ظاهرة صدام حسين، التى قد تغيب بعض الوقت عن التفكير العام.. نظرا لوجود شخص صدام حسين نفسه.. بما يجعل الشخص يسبق الظاهرة.. ويحدث دائما تساؤل متكرر هل يكرر صدام حسين مغامراته وحروبه التى أشعلت الخليج، مرة مع إيران، والثانية مع الكويت، فى سنوات طويلة عجاف بخسائر مدوية للشعبين العراقى والإيرانى، وللشعوب الخليجية والعربية ككل..
وسوف يتوقف التاريخ أمام أرقام الخسائر، وسنوات الضياع العربى، والفرص الضائعة على الجميع فى تساؤل محورى.. عمن المسئول؟.. هل هؤلاء، وهل الفاعل الأصلى والمتهم الماثل أمامنا جميعا فى قفص الاتهام، هو المسئول وحده؟.. أم أن أداة أو ظاهرة متكررة استخدمت لتحقيق أهداف المستفيد من هذه الظواهر العجيبة والمريبة فى عالمنا..
أعتقد أن مفاجآت صدام الظاهرة لن تنتهى. فإذا كان شخص صدام حسين ـ الرئيس الحالى للعراق ـ قد انتهى تأثيره على المسرح العربى والعالمى.. فإننى لا أعتقد أنه من الممكن أن يكون له دور جديد، ولكن صدام الظاهرة سوف يستمر، وسيتكرر فى عالمنا، ولكن بأشكال جديدة، وقد نجده يظهر فى أى مكان مختلف.. ولكنه سيتكرر لأن له وظيفة يؤديها للنظام العالمى الجديد الحاكم فى عالمنا المعاصر..
وحتى نتخلص من ظاهرة صدام، وهى الأهم من شخصه.. فينبغى أن يحدث تغيير حقيقى فى مستوى الوعى لدى شعوبنا، وأن نضع مصالح الشعوب فى المقدمة دائما، وأن يتسلح مجتمعاتنا بحماية حقوق الإنسان، إعطاء الحريات العامة أهمية فى العمل السياسى، وقبل أى شىء أن تكون مهمة الحاكم والقائد هى العمل على رفع مستوى الشعوب، وأن تتسلح المجتمعات العربية بتعاون حقيقى، وقيام سوق واحدة تتداول فيها الأموال والسلع والخدمات مع حرية انتقال واسعة للعمالة والأحوال، أى أن نخلق مجتمعا عربىا حرا متعاونا.. فهو البيئة الوحيدة التى لا تصلح لظهور صدام جديد.. يحول استقرار المنطقة إلى لهيب من نيران.. يهدد مصالح الجميع لحساب قوى من الخارج..
مفاجآت صدام حسين الرئيس العراقى الحالى، قد تكون محدودة، بالرغم مما يشاع عن وجود أسلحة تقليدية وأخرى سرية.. ولكن صدام الظاهرة قد يجرى تشكيله فى مكان آخر، وليكن إيران مثلا ـ حيث إن خبراء الاستراتيجية ورجال السياسة الكبار قد احتشدوا، ويرون أنهم أصبحوا فى حاجة إلى إيران أكثر من دول الخليج.. لاستتباب الأمن فى الخليج..
وهكذا سيظل الآخرون يضعون سيناريوهات ليحققوا مصالحهم على حساب مصالحنا.. وليس من البعيد أن تمتد ظاهرة صدام إلى مناطق عديدة.. ولا نستطيع مواجهتها دون تغيير حقيقى.. يصنعه العربى بنفسه.. لنخرج من أزماتنا بدروس تنقذنا من تكرارها.