دولار البطاقات.وإعادة بناء الأسواق!

يبدو أن هناك خوفا حكوميا من معالجة علمية وحقيقية وحاسمة لسعر الجنيه المصري أمام الدولار والريال وغيرهما من العملات الأجنبية, وكما كنا نفعل في معالجة مثل هذه الأزمة عندما بدأنا برامج الإصلاح في بداية سنوات التسعينيات, في الميزانية وفي سعر الصرف.
وحتي لا يتهمني أحد بالتجني, سأرصد أمام المتابعين ما يجري للجنيه المصري الذي فقد30% من قيمته أمام الدولار الأمريكي ونحو20% من قيمته أمام الريال السعودي أخيرا, ويبدو أن الانخفاض سوف يستمر, فهناك نقص متزايد في العملات الأجنبية في السوق المصرية غير مبرر حتي الآن!
وكانت آخر الأزمات المضحكة هي المضاربة علي الدولار بالبطاقات الائتمانية, في مختلف الأسواق العالمية لدي المسافرين ومستخدمي البطاقات, حتي أن الدوائر المالية والمصرفية الحاكمة في مصر قد تنبهت متأخرا, إلي هذه المضاربة, فلجأت إلي علاجها, فقامت9 بنوك عامة وخاصة بفرض رسوم إضافية علي المسحوبات من البطاقات, وصلت هذه الرسوم في حدها الأدني إلي3% والأقصي إلي10%.
وحتي هذه المبادرة المتأخرة لم تأت من المصارف المصرية تلقائيا ولكن من المؤسسات الدولية صاحبة حقوق الإصدار, فقد لاحظت تقديراتها, أن هناك سحبا شبه هيستيري للبطاقات الإئتمانية الصادرة من البنوك العامة والخاصة علي السواء في كل من السعودية, والولايات المتحدة, والبحرين, والإمارات, ولبنان, وإيطاليا, وبريطانيا, وفرنسا, وتركيا. وبلغ السحب من4 ـ8 أضعاف متوسط المسحوبات المعتادة داخل هذ الدول, بما جعلها ترصدها كظاهرة تفاقمت منذ أن تأخرنا في معالجة الأزمة, ووضع نظام محدد وسليم لسعر صرف للعملات الأجنبية.
ولكن يجب في تلك المعالجة ألا تتوقع البنوك, أن هذا الإجراء سوف يحجم هذه الظاهرة السلبية في حالة استمرار الوضع الراهن لنظام سعر الصرف في مصر, فليس في وسع البنوك فرض الرسوم وزيادتها باستمرار لتقليص الفجوة بين السعرين, بل إن البنوك مازالت تنتظر رأي البنك المركزي في وضع الرسوم وهل سيتم الإبقاء عليها كوسيلة غير مجدية لحماية البنوك من المضاربة.. أم أن نظام سوق الصرف سيتغير وسنعود إلي الاستقرار علي أي وضع.
سعر الصرف في حاجة إلي قرار حاسم, ويجب ألا نتردد في اتخاذه, لأن هذا التردد سينعكس بالسلب علي مجمل السياسات الاقتصادية لدي المستثمر, والدوائر المالية الاقتصادية في الداخل والخارج, التي تستشعر ضعفنا الاقتصادي, وترددنا في اتخاذ القرار.
فأزمة الدولار ونقصه ظاهرة في كل الدوائر, حتي أن شركات الصرافة التي تعمل في السوق المحلية لجأت إلي الأسواق العربية, والأجنبية, لشراء الدولار وجمعه بأي سعر, وإدخاله إلي البلاد بالتهريب, حتي أن بعض البنوك ـ كذلك ـ تتعامل مع المهربين لتلبية احتياجات عملائها البارزين.
صحيح أن أزمة الجنيه أمام الدولار لها ظلالها التي تؤثر في مجمل السياسات الاقتصادية, لكنها تشير من ناحية أخري إلي قدرة الإدارة الاقتصادية علي التفاعل للخروج من شرنقة الضعف والترهل الاقتصادي, وفي تعاملاتها الداخلية والخارجية, وفي الركود في الأسواق والخوف من الاستثمارات الجديدة, والضعف في التعامل مع الشركات العالمية, وغياب الإبداع.. وندرة القرارات الجريئة والأهم من كل ذلك أن عدم المصداقية يخيم علي الأسواق, ولأسباب قد تكون معروفة, أهمها علي الإطلاق أن الإدارة الاقتصادية سواء في الحكومة أو المصارف أو رجال الأعمال إيديها مرتعشة ومترددة, وتحتاج إلي الثقة في قدرة الاقتصاد والناس علي امتصاص الأخطاء وإعادة بناء الأسواق.
وعليه لا نعتقد أن انخفاض سعر الجنيه له ما يبرره فالاستيراد قد انخفض في مصر بما قيمته5,3 مليار دولار سنويا.