الغضــــــب. من المسلسلات!

الدراما عمل إنساني تتضافر فيه مجالات كثيرة لإنجاحه, فهو صناعة متكاملة, تعمل فيها عقول متنوعة. من كتاب ومخرجين وفنانين وموسيقيين وصناع ينتجون سلعا عديدة من الملابس إلي الديكورات, وإدارة متنوعة.. تدور فيها رءوس أموال ومدخرات عديدة.. وطموح العاملين من صناع المسلسلات.. هو في النهاية منتج يبحث عن المستهلكين.. ولكنه منتج ذو طبيعة خاصة, لأنه منتج فكري وعقلي.. يستهلكه الوجدان والروح.. الجزء المتواري أو الخفي من الكيان الإنساني.. لذا فالحكم عليه مختلف.. ويجب أن يكون له نقاده المتخصصون جدا, بالإضافة إلي رأي الهواة أو المشاهدين.
وما يجب أن نفهمه.. أن الدراما أو المسلسلات ليست كتابة للتاريخ, أو توصيفا دقيقا.. بمعني مذكرات, فهي عمل فني خالص, يتوصل للجمهور أو المستهلكين بحادث تاريخي عرضي( لا يصفه ولا يحكيه).. ونجاح المسلسل يقتصر علي قدرة جذب المشاهدين, وما يقدمه من أفكار جديدة للنمو والحياة وتطورها وقدرته علي معايشة الجمهور وجذب الناس للقصة الجديدة بكل متغيراتها.. وليست محاكاة لقصة تاريخية.
ولذلك كان غريبا.. أن بعض السياسيين أو أصحاب التوجهات السياسية والأيديولوجيا, يركزون علي مسلسل يجعل من فنانيه أبطالا أو أصحاب وجهات نظر سياسية.. أو أسرة تريد, أن تري في المسلسل قصة حياة أو كفاح شخصية دينية أو فكرية نادرة.. تلك ليست وظيفة العمل الفني.. ويجب ألا يقع الفنانون وأصحاب المسلسلات في تلك المصيدة, باعتبارها وسيلة جذب سريعة ومضمونة لترويج منتجاتهم أو مسلسلاتهم.. صحيح أنها وسيلة جذب وشهرة متزايدة, ولكنها تضع أعباء علي العمل الفني تفقده خصائص نجاحه أو اهتمام الناس به.
ما حققته الدراما المصرية في رمضان.. من قصص تاريخية واجتماعية وإنسانية ودينية وسياسية.. كان نجاحا كبيرا وقياسيا بما يشير بقوة إلي مقدرة المصريين بكل نوعياتهم علي صناعة منتجات وسلع وخدمات تلبي كل الرغبات والأذواق.
فمن يصنع منتجا للعقل والوجدان.. يستطيع إنتاج وعمل أي شيء آخر.. لأن هذا هو قمة الإنتاج, لأنه يشبع الجزء الغامض في الإنسان.
تحية لأبطال المسلسلات الفنانين: صبحي وسيمون ويسرا وعبلة وحسن وكمال وسميرة والفخراني.. خاصة الكتاب أسامة عكاشة ومجدي صابر منهم, والمخرجين قمة العمل وصمام أمانه ومفتاح نجاحه ومعهم المنتجون.. فقد استولوا علي الذهن العربي كله, رغم الأحداث وتطوراتها الجسيمة.. وكانوا جزءا من حياتنا.. وشكلوا موضوعا للمناقشة علي كل مائدة أو بيت.. وانتشروا في كل المحطات.. وصفحات الصحف بتميز وإيجابية.. ويجب أن يكون لنجاحهم عدوي لباقي المنتجات والخدمات.. لنكون كبار صناع ومنتجي المنطقة.. فتلك هي وظيفة المصريين المفكرين والعقول منذ القدم.. والبنائين الكبار والصناع والزراع العظام.