مقالات الأهرام اليومى

المتعثرون والأسواق المتعثرة

إنها لعبة مضحكة‏,‏ طالما تكررت في تاريخنا الاقتصادي‏,‏ وهي أن نحمل فردا أو مجموعة أفراد مسئولية الفشل الاقتصادي‏.‏ واللعبة تتكرر الآن بحذافيرها فهناك مجموعة من رجال الأعمال أصبحوا نهبا للشائعات المتواترة عن أنهم حصلوا علي المليارات من البنوك وهربوا بها أو أضاعوا بدون تحقيق جدي‏,‏ يكشف أين هذه الأموال ومن أعطاها لهم‏,‏ وما مدي مسئولية كل طرف في هذه العملية الاقتصادية المركبة فهل هؤلاء هم رجال الأعمال الذين كانوا ملء السمع والبصر حتي الأيام الأخيرة؟ علينا أن نصدق أنهم سطوا علي البنوك وخدروا مسئولي الائتمان بها وخرجوا بالأموال دون أن يدري أحد فأين كان رجال الائتمان والأموال تتزايد علي‏100‏ مليون إلي‏200‏ مليون ثم إلي مليار جنيه‏…..!!‏
هل استمر مسئولو الائتمان مخدرين أو تحت تأثير التنويم أيا كان نوعه ومن المعروف أن المخدرات والمسكنات في عالمنا المعاصر متعددة ومتنوعة منها طبعا المشاركة في هذه الأموال تحت الترابيزة ومنها طبعا عدم القدرة أو الفهم أو التحليل الاقتصادي‏,‏ وببساطة الجهل بقواعد الاقتراض‏,‏ ومنها الواسطات التي دخلت كل مجال في حياتنا حتي أفسدتها علينا الحياة من المرور إلي العلاج إلي الطب وحتي الصحة أصبحت بالواسطة‏!‏

قضية الأموال المستولي عليها من البنوك والتي حصلت عليها بعض الشركات‏,‏ رغم أنها قضية عامة‏,‏ وقضية بالمعني المحدد وتنظر أمام المحاكم والقضاء فإنها قضية اقتصادية متشابكة‏,‏ ولها امتدادات في مجالات عديدة علينا عدم إغفالها‏,‏ ويجب دراستها‏.‏
أن هؤلاء المتعثرين يعيشون في اقتصاد متعثر وأسواق متعثرة منذ النصف الثاني من التسعينيات وأعني توقف برامج الإصلاح الاقتصادي أو تعثرها أو سيرها في الطريق الخاطيء وتلك مسألة وجهات نظر تحتاج إلي قراءة مستفيضة‏.‏

وبالقطع لا يمكن أن يهرب لصوص البنوك أو يتخفوا في أخطاء الائتمان أو تعثر الاقتصاد؟ وهؤلاء يجب فرزهم بسرعة وتقديمهم لمحاكمات سريعة‏,‏ حتي يشفي المجتمع والاقتصاد من هذه الآفة أو المرض الخطير‏,‏ الذي إذا تفشي فإنه سيؤثر علي الاقتصاد‏,‏ ويدخل المستثمر الجاد أو الراغبين في الاقتراض الحقيقي في معضلات يتوه فيها الخبير بين الحق والباطل إنما مما يجعله يدخل في دائرة الشبهات في التقييم أو أن يتوقف نهائيا‏!‏
لا يمكن أن نترك هذه القضية الاقتصادية كعادتنا دائما للقضاء فقط‏,‏ فالمحاكم تتوصل إلي جانب من الأبعاد وتغيب عنها أبعاد جوانب أخري‏,‏ إنما يجب أن تضع هذه الشركات في أيدي لجان أمينة أو حتي شركات أجنبية أو متخصصة لإدارة الشركات المتعثرة وطرق علاج التعثر وكيفيته ووسائله وأن تفصل النوعيات المتعثرة عن الأخري التي يمكن علاجها وغير المأمول في علاجها وكيفية التخلص منها‏.‏

والأهم حتي نرضي الشارع والمراقبين ونحترم عقلية المتابعين هو أن نكشف المتواطئين في البنوك ونحدد أين المرض الحقيقي هل هو خطأ في التقييم أو تأثير الأسواق أو أخطاء السياسات الاقتصادية ككل علي أوضاع الشركات أم أن هناك جريمة مستترة داخل البنوك أم أن الفوائد وتوابعها‏,‏ حملت المستثمر ما لا طاقة له به واستغلت حاجته للائتمان لإفشال المشروع كله‏,‏ قد تكون تلك أسبابا وجيهة للتعثر وانهيار الشركات‏.‏
ولنعرف بوضوح أنه لا يمكن أن نهيل التراب علي المشروع الاقتصادي وكل رجال الأعمال فمثلما هناك هاربون أو متعثرون فهناك ناجحون‏.‏

علينا أن نعالج الخطأ وبقواعد اقتصادية صحيحة وليس بتكرار الأخطاء حتي نتخلص من التعثر سواء في الأفراد أو الشركات أو الأسواق أو الحكومة ولنعرف جيدا أن التصحيح عملية صعبة ولكنها ضرورية لتبني الأسواق علي الشفافية‏,‏ ولنحاول أن نتعلم من تجارب الآخرين فنحن لسنا وحدنا في العالم ولنبرأ ذمتنا دائما من اختراع العجلة في زمن ووجود الصواريخ عابرة القارات والطائرات الأسرع من الصوت‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى