مقالات الأهرام اليومى

أحمـد ماهر وحادث الأقصي

بعيدا عن الكلمات الكبيرة‏,‏ فإن حادث الاعتداء علي أحمد ماهر وزير خارجية مصر داخل المسجد الأقصي هو حادث بشع‏,‏ ذلك الذي تعرض له الدبلوماسي الكبير بعد أن أنهي مهمة سياسية خطيرة لصالح القضية الفلسطينية‏,‏ وكان ماهر قد ذهب إلي إسرائيل في رحلة الساعات الحرجة‏,‏ هادفا لإنقاذ القضية الفلسطينية من أن تنزلق في ورطة جديدة‏,‏ ولعل الساعات الأخيرة‏,‏ كشفت عن معني ما نقول والمتمثل في عودة العنف والقتل‏,‏ الذي يحقق أهداف المتطرفين علي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي‏,‏ والذين لا يبغون خيرا لا للفلسطينيين‏,‏ ولا للمنطقة التي نعيش فيها‏,‏ بعد أن احترفوا الارتزاق بمعاناة الشعب الفلسطيني والتكسب من صناعة التطرف والإرهاب‏.‏أحمد ماهر‏,‏ سياسي ودبلوماسي مصري متميز وشجاع‏,‏ يثق في نفسه وإمكاناته‏,‏ بعد أن أنهي مباحثاته الشاقة‏,‏ وذهب مثل أي مصري طبيعي طموح للصلاة في المسجد الأقصي‏,‏ ومن المعروف في الضمير الإسلامي‏,‏ أن من يدخل المسجد فهو آمن‏,‏ فما بالكم بمن دخل المسجد الأقصي أول قبلة للمسلمين‏,‏ وثاني المساجد الكبري وثالث الحرمين‏,‏ ومن هم المعتدون؟‏!‏ إنهم مجموعة فلسطينية‏,‏ والأغرب أنها ترفع الشعارات الإسلامية‏,‏ هذا الحادث كشف عن أننا يجب أن نعيد دراسة بل التفكير بدقة في كل من يرفع الشعار الإسلامي‏,‏ ليس لأنه قد يكون إرهابيا‏,‏ لكن لكونه فاقدا للضمير والأخلاق الإسلامية الحقيقية‏,‏ ويستخدم الإسلام لكي يخفي حقيقة ضميره الغائب وانعدام إيمانه بأي قيمة سامية‏,‏ فهم مجموعة من المجرمين‏,‏ أحسن الأستاذ جمال بدوي عندما سماهم الأوغاد ووصف شعورنا بالصدمة‏,‏ ولن يخفف من الصدمة إلا أن هذه المجموعة وكعادة كل المجرمين والأوغاد‏,‏ يستغلون ظروف الشعب ومعاناة الفلسطينيين‏,‏ وهم ليسوا الأغلبية بل أقلية محدودة جدا‏,‏ لكنهم يستفيدون من اللعب علي الأوتار الحساسة‏,‏ ويخفون حقيقة جرائمهم في حق بلدهم وشعوبهم‏,‏ من خلال منهجهم في العمل والتطرف السياسي‏,‏ الذي يقف وراءه مرض نفسي خطير‏,‏ أو أنه موظف لمصالح أنانية بغيضة ألغت العقل والحكمة‏,‏ واحترفت الفشل والجريمة‏.‏

لكن ما يعنينا هنا هو أن هذا الحادث البشع قد وفر لنا تجربة إنسانية غنية‏,‏ فقد كشف الاعتداء عن كفاءة وشجاعة الوزير ماهر الذي نعرفه جيدا‏,‏ فقد كان صلبا‏,‏ عرف واجبه ومهمته‏,‏ وأداهما كما أدي صلاته تماما‏,‏ وفرق بين الشعب الفلسطيني بقضيته العادلة‏,‏ وبين المعتدين‏,‏ ووصف الحادث بأنه تافه وبسيط‏,‏ وهو المعتدي عليه‏,‏ وكانت آثار الاعتداء واضحة علي وجهه‏,‏ لكنه استطاع الفصل بين ما يشعر به من غبن وبين واجبه ومسئولياته تجاه وطنه‏,‏ بل تجاه أخطر وأهم قضية إنسانية في تاريخ العالم‏,‏ قضية حق الفلسطينيين في السيادة والاستقرار والدولة‏,‏ هذه القضية المظلومة علي كل صعيد من أهلها‏,‏ وأبنائها‏,‏ ومن وطنها الكبير بل العالم‏,‏ وسوف نعيش طويلا ونري الضمير العربي والإنساني‏,‏ وقد أوجعه وأدماه ما حدث للفلسطينيين علي أيدي المعتدين الإسرائيليين‏,‏ وعلي أيدي بعض أبنائه وفصائله وقادته‏,‏ بل علي أيدي سياسيين وقادة عرب آخرين‏,‏ علي مر التاريخ المعاصر‏.‏
لقد ملك الوزير أحمد ماهر ضميرا حيا‏,‏ وملكة ضبط النفس والحكمة‏,‏ وصاغ عباراته‏,‏ كما يصوغ تقاريره السياسية‏,‏ فجاءت كلماته مليئة بالحكمة واللغة المعبرة‏,‏ وظل كما هو الدبلوماسي العميق‏,‏ الذي لا تهزه الأحداث كما لا تغريه وسائل الإعلام‏,‏ فتقوده إلي المجهول في الحديث بحثا عن نجومية زائفة‏,‏ وتلك دلائل مكانة عالية‏.‏

لقد جاء حادث الاعتداء بمثابة إشارة أيقظت الرأي العام المصري والعربي‏,‏ علي أننا أمام وزير من العيار الثقيل‏,‏ لكن هذا الحادث البشع‏,‏ كان بمثابة إشارة للكثير من حكماء الوطن العربي‏,‏ والغيورين علي المصلحة العربية القومية بما يشير إلي أن عناصر التطرف تنحصر في محيطنا‏,‏ وأن الكثيرين أصبحوا يدركون بوعي سياسة مصر‏,‏ وحكمتها ودورها الكبير لصالح وطنها وعالمها‏,‏ ولعلي هنا أتوقف أمام نوعين من الكتابة التي تعطي إشارات مهمة عن الوعي الكبير الذي ينتاب العرب وكتابهم ومثقفيهم‏,‏ عن دور ومكانة مصر وسياساتها‏,‏ فقد كتب غسان شربل‏,‏ تحت عنوان ولكنها مصر فقال‏:‏ إن ما جري في الأقصي حادث خطير يصعب تصديقه ويفوق القدرة علي الاحتمال‏,‏ فإن المشهد الذي بثته شبكات التليفزيون أثار استياء واستنكار معظم العرب إن لم نقل كلهم‏,‏ ومن حق الفلسطيني أن يتفق مع القراءة المصرية أو يختلف معها‏,‏ لكن من واجب كل عربي أن يتذكر حتي في حال الاختلاف أنها مصر‏,‏ بكل ما لها من ثقل‏,‏ وبكل ما لها من تاريخ في النزاع العربي ـــ الإسرائيلي‏,‏ لهذا بدا حادث الأقصي غريبا ومستهجنا ومدانا‏,‏ فسواء اتفقنا مع بلاد أحمد ماهر أم اختلفنا معها يجب أن نتذكر دائما أنها مصر‏.‏

وكتب الدكتور أحمد الربعي‏:‏ مخطئ من رتب هذا الاعتداء ومن وقف وراءه‏,‏ إذا اعتقد أنه يمكن أن يكسب من أعمال فوضوية كهذه‏,‏ ومصر هي الدولة العربية الرئيسية اليوم التي ما زالت تحاول وتتحرك من أجل ألا ينفلت الموقف أكثر مما هو منفلت‏,‏ وأن تنقذ ما يمكن إنقاذه‏.‏
انتهي حادث الاعتداء بكل تداعياته‏,‏ ومازلنا نقف علي صعيد كل القضايا العربية في منعطف خطير وصعب‏,‏ ومازال البعض يلهو ويتصور أن أصابعه بعيدة عن النيران‏,‏ فالكل في أتون الكارثة‏,‏ بل إن كل قضية الشرق الأوسط أصبحت في ملف واحد‏,‏ فقضية فلسطين تؤثر في العراق‏,‏ وتمتد إلي ملف الإرهاب والتطرف الديني ثم إلي الاقتصاد والسوق الموحدة‏,‏ وجذب الاستثمارات الأجنبية للمنطقة‏,‏ وصولا إلي السياحة وجذب السائحين‏,‏ وتشغيل المتعطلين والحد من البطالة وانتشار جرائم المخدرات وحتي قضية الديمقراطية والإصلاحين السياسي والاقتصادي‏.‏

الكل يؤثر ويتأثر‏,‏ والسؤال المطروح‏,‏ هو هل نلحق بالعصر وقطاره‏,‏ أم أن التخلف والإرهاب والصراعات سوف تطال الجميع؟ هذا السؤال ليس مطروحا علي العرب وحدهم‏,‏ بل هو مطروح أيضا علي إسرائيل نفسها‏.‏ وعلي الولايات المتحدة التي أصبحت مسئولا مباشرا عما يحدث في المنطقة‏..‏ واللاعب الأول في حروب الإرهاب وفلسطين والعراق‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى