أزمة الطيران الداخلي.. وسعر الدولار

توقفت عمليات المضاربة علي الجنيه المصري جزئيا, وانحسرت حالة السعار التي انتابت المتعاملين في السوق النقدية الأجنبية, وذلك يعد مؤشرا إيجابيا يكشف عن قدرة الحكومة علي المواجهة.
ولكن التخوف الكبير هو أن يعود السعر إلي دوامة المضاربة من جديد من خلال روح المساومة التي سادت أخيرا خاصة مع انتفاء أي مبرر حقيـــقي لزيــادة ســـعر العملات الأجنبية علي حساب الجنيه, إلا إذا أراد ملاك الدولار, أن يستغلوا أي أخطاء, ويعاودوا لعبتهم الإجرامية لتحقيق أرباح خيالية في المضاربة علي السعر, وقد لاحظت أن كثيرين من حائزي الدولارات, خاصة من العاملين في الخارج, قد تكونت لديهم ـ خلال الفترة الماضية ـ رغبة أو شهوة, للمتاجرة عن طريق الاحتفاظ بالدولار, ودعم هذه الرغبة إحساس داخلي بأن اكتناز الدولار يولد ربحا خياليا لا يتوقع تحقيقه في أي مجال اقتصادي آخر, وهؤلاء يكتفون بطرح دولارات محدودة في السوق تغطي احتياجاتهم الاستهلاكية, اليومية, ويعزفون عن الاستثمار, اكتفاء بالربح المنتظر, من المضاربة وحدها.
لكن استمرار تلك السياسة سيؤدي إلي خلق معادلة لا تخدم الاستثمار وتضر بالاقتصاد, علي المديين المتوسط والطويل, لأن المدخرات وتوجيهها لمجالات الاستثمار هي عملية حيوية لزيادة الإنتاج وامتصاص معدلات البطالة المتزايدة, والتي تؤثر علي الأوضاع الاجتماعية وأعتقد أن التطور القادم, بعد انحسار هذه الموجة الضارة, هو أن تتجه الحكومة إلي ضخ سياسات جديدة تقوي بنيان عمليات الإصلاح الاقتصادي, بدلا من الاكتفاء بضخ الدولارات حاليا, وهو قرار وازن الأسعار نسبيا, وحد جزئيا من المضاربة العشوائية علي سعر عملتنا الوطنية, وأعني بذلك أن تقوم الحكومة بفتح المجال أمام مشروعات اقتصادية كبيرة, تضمنها الحكومة, وتروج لها ولا تملكها, ولكن تعمل علي تحقيق هدف اقتصادي مميز من خلالها, وهو إحلال منتجات مصرية, بدلا من منتجات مستوردة, تمتص الدولارات من الأسواق, والمجال واسع خاصة في إنتاج السلع الغذائية والزيوت والدخان, وكلها تستورد بكميات كبيرة, في الوقت الذي يستطيع فيه اقتصادنا, أن ينتج هذه السلع علي أن تمول الحكومة ذلك بسندات وأسهم دولارية, يدفعها الحائزون وتضمن هي نجاحها من خلال شركاء أجانب, علي أن تكون هناك عملية تسويق كبيرة لتلك المشروعات, وبهذا الأسلوب يكتسب برنامج الإصلاح الاقتصادي, زخما استثماريا متميزا, إذا أضفنا إلي ذلك إعلان الحكومة عن استكمال البنية التشريعية لقوانين الإصلاح والتحرر الاقتصادي, وأهمها قانون منع الاحتكار وفتح المجال واسعا للمنافسة.
وهذا لن يتم إلا إذا استمر تشجيع المصدرين الجادين, وتكوين كونسرتيوم بين مجموعات المنتجين, بحيث تدخل معهم شركات تسويق وتعبئة وترويج, ولتكن شركات مشتركة أو أجنبية تلعب الحكومة دورا في جذبها, لدعم الصادرات, مثلما لعبت دورا في توفير الشحن, عندما قدمت دعما للمصدرين, كان له تأثير سحري علي زيادة معدلات التصدير المصري, والأمر الجديد هنا سيكون له بلا شك تأثير علي زيادة قدرات الاقتصاد المصري في ضــخ وتوفـــير العمـــلات الأجنبية التي يحتاجها الاقتصاد المصري, كل هذه عوامل قد تؤدي إلي رفع معدلات النمو الاقتصادي, وعدم العودة إلي الدولرة وإنهاء أزمة الدولار نهائيا وليس مؤقتا, ولا يتحقق ذلك بدون تنمية عملية متواصلة وطويلة.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن سياسات الإصلاح الاقتصادي المصري قد اكتسبت خلال الفترة الماضية زخما وتطورا, لا يمكن التقليل من شأنه, لكن الحاجة السريعة, إلي زيادة مواردنا من النقد الأجنبي, تجعلنا أكثر حساسية للخدمات التي تقدم للسائحين الوافدين إلي مصر, باعتبارهم من المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي, بعد المصريين العاملين في الخارج والتصدير, خاصة أنهم اختاروا بلدنا للإنفاق فيه, في ضوء المؤشرات المبشرة التي أعلنها وزير السياحة, فقد زار مصر في شهر سبتمبر الماضي572 ألف سائح, بزيادة15%, وزارها من يناير إلي سبتمبر4,2 مليون سائح بزيادة11,2 في المائة وهؤلاء أمضوا36,7 مليون ليلة سياحية بزيادة قدرها49,8% عما تحقق في العام الماضي وتضاعف متوسط إقامة السائح في مصر إلي13 ليلة في الشهر الأخير, بدلا من6 ليال في يناير الماضي.
تلك معدلات مبشرة لتدفق النقد الأجنبي, ولا يمنعني ذلك من الإشارة إلي أن الموسم الشتوي علي الأبواب, وهذا موسم السياحة المصرية في الأقصر وأسوان وشرم الشيخ, وأخاف وأخشي وأحذر, من أنه قد يتعرض لمخاطر كبيرة بسبب سوء أوضاع المطار المصري, مطار القاهرة, الذي يمر الآن, بحالة تطوير كبيرة, ولكن السائح لا ينتظر, والموسم علي الأبواب, وصالة الطيران الداخلي فيه مؤسفة للغاية فقد أتيحت لي زيارتها أخيرا, وأصبت بحالة ذهول, فالسائحون يفترشون الأرض لعدم وجود أماكن للجلوس, والمنافذ التي يدخلون منها لا تتعدي منفذين, وطوابير السائحين تمتد حتي مواقف السيارات, وصعوبة التعامل وتوفير الخدمات في الصالة, لا حد لها, وصفتها لي إحدي العاملات بأنها أكبر من شقتها بحجرة, والمنطقة المخصصة للجلوس, ليس بها أكثر من ثلاث موائد, وأما الصالات فلا يتعدي عدد الكراسي بها200 كرسي, والزحام لا يطاق والخدمات منعدمة, والعاملون في حالة تذمر, لأن أحدا لا يسمعهم, وأتوبيسات نقل السائح للطائرات محدودة, بل إن الطائرات تقف علي مسافات بعيدة, فينحشر السائحون في مشهد مؤسف, وعندما يتكلم أحد يقولون له ماذا نعمل؟ المطار تحت التجديد والإنشاء.
والسائحون ليسوا مسئولين عن ذلك, فكل المطارات في منطقتنا, وفي العالم تتطور وتتعاظم إمكاناتها, ولا يشعر المسافر بما يحدث فيها, فالخدمات متوافرة, والعمل مستمر, ولكن يبدو أن عقليات المسئولين في مطار القاهرة, متوقفة, ولا تدرك مخاطر ما يحدث في صالة الطيران الداخلي, علي مستقبل مصر السياحي, وما أدراك ما مستقبلنا السياحي علي كل مواردنا, خاصة النقد الأجنبي, وأرجو أن ينتبه المسئولون في مطار القاهرة لخطورة ما يحدث ولسوء معاملتنا للسائح في المطار وانعكاساته علي كل شيء.
تكفي زيارة سريعة للمطار الداخلي حتي يكتشف أي زائر, عجزنا عن زيادة استيعاب السائحين, ولعلي أشير إلي أنني نفسي شعرت بالكثير من الحنق والغيظ, علي المسئولين, وتساءلت كيف لو زارنا أي مبعوث أجنبي, يريد أن يراقب أوضاعنا الداخلية بعد أن قرأ ملف مصر2010 لتنظيم كأس العالم, وأدرك فشلنا في إدارة صالة للطيران الداخلي, إنها صالة لا أستطيع إلا أن أصفها بأنها بائسة, فما بالكم بالقائمين عليها, والآن من يدرك الموقف ويفهم مدي خطورته علي اقتصادنا؟