الحيوية المصرية عائدة

أرجو ألا يتصور أحد أن حيوية مصر قد انخفضت أو ضاعت أو أنها مترددة, رغم وجود هذا التصور, بعض الشيء حاليا, لكن التماسك المصري دائما ما يأخذ أشكالا متعددة, ويتأقلم مع منطقة تمر بظروف صعبة, بالغة التعقيد, فالمصريون هم الذين تحولوا, في6 سنوات فقط, من حال إلي آخر, مابين أعوام1967 ــ1973, وهم أنفسهم الذين خلقوا واقعا سياسيا مغايرا في الثمانينيات, صاغ مشروعا للمنطقة وأثبتوا فيه أنه المشروع الصحيح للمستقبل, ليس لنا وحدنا, ولكن للمنطقة ككل, ثم جاءت في التسعينيات بقفزة متميزة للغاية في الإصلاح الاقتصادي, لكنها أصيبت بنكسة حادة في نهايتها, ومازالت مستمرة إلي الآن, ولاتزال ظلالها مؤثرة في سياساتنا الداخلية حاليا, ورغم أنني أعتقد بل وأجزم بأن الحيوية في الشرق الأوسط, لا توجد إلا في بعض مشاريع في إيران أو تركيا, أو حتي في إسرائيل, وأن الأزمة تلف كل البلدان العربية, فإن المشروع المصري للنهضة, مازال ليس صالحا فقط بل مؤثر رغم أنه يبدو مرتبكا أو خائفا, أو مترددا.
وهذا ما يجب أن نخرج منه فورا وبحزم, عبر رؤية شاملة محددة, ويكون محورها هو الحل الداخلي, وإدراك أنه رغم أهمية المنطقة العربية لنا, وارتباطنا السياسي بما يحدث في الخليج, والعراق, وما يحدث في الشام, حول سوريا ولبنان, وفي قلب فلسطين, وأهميته الاستراتيجية للمصالح المصرية العليا, باعتبار أن لنا مصالح في معالجة قضايا منطقة الشرق الأوسط, للخروج من الأزمة, فإنه ينبغي أن نعلم جيدا أن الحل ليس إقليميا, بل داخلي, فالمنطقة لن تخرج من أزماتها بتدخل خارجي أو فرض سياسات أو إملاءات خارجية, أو بقدوم مشرعات من أمريكا أو الاتحاد الأوروبي, لأن تأثير ذلك كله سيظل هامشيا, ولن تخرج المنطقة أيضا مما هي فيه بمشاريع كالسوق العربية الموحدة أو عبر تطوير آليات العمل العربي المشترك, أو انتظار قرارات كبري من أي مكان في العالم, أو بصحوة ضمير عربي شامل, فقط, ولكن ذلك لن يأتي إلا من خلال الإقدام علي سياسات إصلاح مصرية داخلية بحتة, فعندما يتحرك القطار المصري إلي الأمام, تتحرك معه كل القطارات الأخري, فمصر هي العمود الفقري للمنطقة.
فعندما اتخذت قرار الحرب في73, سارت معها المنطقة, وحين اتخذت قرار السلام, رفض البعض أو الكل, ولم يؤثر ذلك في صحة القرار المصري, رغم ضياع الفرص, ونستطيع أن نشير بوضوح إلي أن سبب الاضطرابات, التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط, وفي القلب منها البلدان العربية, هو عدم قبول المشروع المصري للسلام, الذي قدم في النصف الثاني من السبعينيات, وفي وقت مبكر, عقب نصر عسكري فذ, فاجأ القوي الكبري وإسرائيل في ذلك الوقت, وقلب التوقعات, ونحن نتذكره الآن ونعي دروسه بالكامل بمناسبة مرور30 عاما عليه, لأنه مازال حيا في ضمائرنا, ويعكس قدراتنا, وإمكاناتنا.
لأن رفض الهزيمة في67, حرك فينا الطاقات وحشدها ونظمها, فتوحدنا بإمكانات محدودة, لنصنع نصرا علي قوي كبري, تملك إمكانات غير محدودة, أما هذا النصر العسكري فقد استكمل بمعركة سياسية, لا تقل كفاءة وقدرة وتميزا, فالعقل العسكري السليم هو القادر وحده علي صنع النصر السياسي اللامحدود, الذي يضمن كل الحقوق المشروعة لأصحابها, أما وحدة الشعب والأمة وتماسكهما معا عبر إرادة سياسية قادرة وحكيمة, فهي التي تبعد عنا شبح الهزيمة وتكرار التهميش, ومعركتنا العسكرية والسياسية ماثلة بقوة الآن, خاصة أن القوة التي وقفت أمام المعركة السياسية, في ذلك الوقت وحشدت وراءها كل ضعاف العقول, هي قوة حزب البعث العراقي بزعامة صدام حسين, وهي نفسها التي جرت علي العرب ويلات الحروب العبثية( حروب الخليج الثلاث) وصولا إلي احتلال العراق وجلبت القوة الكبري وحلفاءها مباشرة إلي حكم العراق العربي, وأدخلتنا إلي حالة من الهوان العربي العام, لا يستطيع أن يقبلها عقلنا الراهن, بل أصابتنا جميعا بالاحتقان والرفض.
وما علينا الآن إلا أن نتذكر أن المشروع المصري العسكري ــ السياسي, مازال صحيحا, وأنه يملك القدرة علي التصحيح والعمل الدؤوب لمواجهة الانهيار, بل في قدرته أن يعمل علي التكيف والتصحيح والتغيير لحماية المنطقة العربية ككل, فقد صنع هذا المشروع لها نصرا عسكريا, وقدم لها رؤية سياسية, للخروج من المأزق والانهيار, قبلها البعض ورفضها الآخرون, فأوصلونا إلي نتيجة غير حاسمة, وعليهم ألا يتنصلوا الآن من المسئولية.
والآن ماذا نحن فاعلون؟ هل نتذكر معركتنا العسكرية فقط, أم ندرك أن مشروعنا السياسي, الذي انطلق مع السبعينيات لم يكتمل, وأنه مازال يبحث عن قادة إقليميين, يملكون نفس النظرة والقدرات, حتي يستكملوا لإقليمنا استقراره ونموه, أم نحمل أنفسنا مسئولية الآخرين, وهل نتحمل أخطاء وخطايا المتطرفين, أو الفاشلين سياسيا, وهل نصاب بكآبتهم, ونستورد كل الأفكار السياسية, التي تضخ في إقليمنا وتري أن الجميع فاشلون ومنهزمون, وأن المشروع العربي فاشل؟!
لا.. يجب أن نرفض كل ذلك, ونعترف بأن الحيوية المصرية الممتدة بعد هزيمة1967, مازالت قوية, وستمارس دورها في حماية نفسها وحماية إقليمها ومنطقتنا العربية, والدليل معنا, كان ولا يزال متمثلا في نصر عسكري في1973, ومشروع سياسي متكامل, أعقب هذا النصر, يملك رؤية تكاد تكون عبقرية في المنطقة.
فكيف نحقق ذلك, والمنطقة تجذبها التيارات المضادة؟! أعتقد بل أجزم بأن المشروع المصري الداخلي في استمرار سياسات التغيير والإصلاح الاقتصادي بقوة في الداخل, لربط مصر بالعالم, هو الطريق الوحيد, فالقوة الداخلية المصرية, هي نقطة الجذب الرئيسية بل الوحيدة, وهذا لن يتحقق بدون استمرار التغيير في الداخل, علي أن تتحمل الأجيال الجديدة مصيرها بأيديها, وقد أثبتت الوقائع دائما أن الحيوية المصرية لا بديل عنها, ليس بالشيفونية أو الأغاني ولكن بأن ندرك أننا قادرون.
وعندما صنعنا السلام الإقليمي, لم نكن نظن أن للسلام ثمنا فقط, ولكننا كنا مقتنعين بأن السلام والاستقرار هو طريق للإصلاح والتغيير, لأن العمل وحده, والتغيير الداخلي الصلب, هو الذي يصنع التطور, والنمو, وعلينا أن ننسي تصور الواهمين الضعفاء, الذين يرون أننا صنعنا السلام للآخرين, وبالتالي سوف نحصل علي ثمنه, فهؤلاء هم الذين يريدون أن يسلموا مقاليد المنطقة وبلادنا للآخرين, والذين يعملون وينهون بلادهم بأيديهم, أما نحن المصريين فقادرون بإمكاناتنا وعقولنا, وبأموالنا الداخلية, علي أن نغير خريطة بلادنا الاقتصادية والسياسية بالرغم من صعوبة المهمة القادمة, لأنها الأصعب في كل مراحل تاريخها, فإن الشعب الذي استطاع الخروج من الأزمة أو الكارثة من قبل, سوف يخرج هذه المرة, بأمته إلي بر الأمان, ولا أملك دليلا أقوي من نصر1973, وكل عام وأنتم بخير.