حدث سياسي مهم مؤتمر الحزب الوطني.. معني ودلالات

قد لا يدرك كثيرون كيف يتكون الحدث السياسي المميز, والمؤثر في نفس الوقت, الذي تكون له معان ودلالات كبيرة علي مسار الحياة السياسية للمجتمع, فالحدث المؤثر في عالمنا المعاصر, لا تأتي تأثيراته ونتائجه فجأة إلا في أذهان الحالمين, ولا نقول المراهقين, وإلا كان الذين يريدون أوضاعا أفضل وتغييرا, قد عقدوا كل يوم, بل كل ساعة, حدثا.
ولكن المؤثر, والذي يعيش ويستمر, هو ما يتم بناؤه عبر عملية طويلة ومتراكمة, للوصول إلي حزب قوي ومتماسك, يعرف طريقه إلي تحقيق بؤرة نظام أو لنقل ورش عمل للوطن والحكومة, لإدراك التغيير, فالحدث, في حد ذاته, لا يصنع هذا التغيير, ولكن قد يجعله واقعيا وحقيقيا وممكنا, في نفس الوقت, بلا هزات أو آثار سلبية.
هكذا ينظر الحزب الوطني الديمقراطي, إلي مؤتمره الأول, الذي يعقد خلال ثلاثة أيام من الخميس حتي الأحد القادمين بعد سنة من مؤتمره العام, في إطار سلسلة من المؤتمرات السنوية, للمتابعة والدراسة, ومعرفة موقع الإقدام هذا السنة من العمل, وذلك لوضع خريطة جديدة أو أجندة لعام مستقبلي, وهذا أسلوب عملي في التفكير, يدركه ويعرف نتائجه, كل من قرر أن يعمل ويبني ولا ينتظر تصفيقا أو مديحا لعمله, ولا تحبطه في نفس الوقت, كلمات المتفرجين, الذين قرروا ألا يعملوا ولا ينتظروا أعمال الآخرين, أو من المحبطين الذين قرروا ألا يعملوا ولا يشاركوا, وفي نفس الوقت لا يتركون الذين يعملون ويشيعون مناخا وغيوما, ليجعلوا العمل صعبا علي الآخرين.
إن الحزب الوطني بأمانته السياسية, وأمانته العامة ولجنة سياساته, نقطة القلب فيه, ولجانها التخصصية الست, قدم خلال عام بعد مؤتمره السابق في سبتمبر الماضي, عملا مضنيا, في مناخ صعب, وأثبتت أن العمل السياسي ممكن, بعيدا عن الشعارات والمصالح لمن يضع مصلحة الوطن والجدية هدفين أمامه, وأقولها من خلال المتابعة من الداخل,
إن كل مراقب محايد, سيجد في المؤتمر أوراقا وخططا ليست جامدة أو صماء, بآليات محددة ولكنها قابلة للتغيير, لم يفرزها عقل فرد ولكن أفرزتها جماعة سياسية عملت بشكل مشترك, وأديرت بحكمة واقتدار, واحترام لكل الآراء, وتوصلوا عبر حوار خلاق, بلا ضجيج أو دعاية, إلي ما هم يتجهون إلي تنفيذه كجماعة سياسية, تملك القرار, فهي تحكم بعد أن وصلت إلي البرلمان في انتخابات حرة, لم تحصل فيها إلا علي40%, ولكن المستقلين عن الحزب, أدركوا أنه من الضروري أن يمنحوا هذا الحزب الثقة, فانضموا إليه ليمنحوه الأغلبية,
والحزب الآن يقولها بثقة, إنه يملك تنظيما من القاعدة إلي القمة, انتخبت معظم قياداته, وأصبح مجمعه الانتخابي قادرا علي إفراز واختيار النائب البرلماني, الذي يثق فيه الآخرون, ولا ينشقون عليه, لأنه اختير عبر قناعة وبالانتخاب, وليس باختيار لجان حتي ولو كان أعضاؤها من الوزراء, فالمشاركة والقناعة داخل الحزب, لم تعد مقصورة علي اختيار القيادات فقط, ولكن أصبح لها موقف من تكوين الرأيين السياسي, والاقتصادي, وتحديدا السياسات المستقبلية, وهذا هو الأهم لأن المستقبل هو نتاج العمل والرؤية الصائبة ومشاركة الجميع.
وهذا ما نراه بوضوح في ورقتي الإصلاح السياسي, وربطهما بحقوق المواطنين, الذين هم هدف المرحلة القادمة, وهذا ما سيكون موضوعا في ورقة الإصلاح التعليمي, التي تحقق لأول مرة سياسة جديدة, توازن في تحقيق هدفها بين التعليم للجميع, والتعليم الذي يرفع ويرتقي بالمستوي والقدرة لكل أبناء الوطن, فكما أن له تكلفة فإن له عائدا أيضا, ومن يريد أن يحصل عليه يتحمل تبعاته سواء كمجتمع أم أفراد.
يجب أن ندرك أن المؤتمر السنوي لعام2003 لم يتردد في الدخول إلي غابة المشاكل الصعبة, ولم يتركها تحل نفسها بنفسها كما هي عادتنا, ولكنه الآن وضع السياسة وآليات تنفيذها في هذا العام في ثلاث قضايا ملحة هي: ورقة الإصلاح السياسي, وورقة إصلاح التعليم, إضافة إلي أوراق اقتصادية كثيرة في كل المجالات, ولكننا لا نقول إن هذه الأوراق ستوفر كل فرص العمل أو ستمنح الجنيه امتيازا, أو ستخفض أسعار السلع أو تنهي الفقر في ربوع الوطن, ولكنها قد تعالج المشاكل وتضع نقاط الحل, وستبين الجماعة السياسية التي تتولي إدارة القيادة, كيف ستشرك المجتمع كله في الحل لمواجهة المشاكل الصعبة, والمتراكمة عبر سنوات من الأخطاء المتكررة والضعف المجتمعي عن مواجهتها بالصراحة الكاملة, والمتابعة والعمل المشترك, فالحلول لكل مشاكلنا السياسية, والاقتصادية والاجتماعية, ليست سهلة, فهي متشابكة, ولا تحلها حكومة أو حزب ولكنها تحتاج إلي تضافر كل الجهود والإمكانات مع الاستعداد لدفع ثمن الإصلاح وتحمل مخاطره.
ولذلك يجب أن نقف بكثير من التقدير لرؤية الحزب الوطني الجديدة في مؤتمره السنوي لهذا العام, وهي إشراك الشباب وقياداتهم من أعضاء الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني, من غير أعضاء الحزب, والذين يعارضون سياسات الحزب الوطني, وذلك في حوار مفتوح مع القيادات الشابة للحزب, والتي أفرزتها مناقشات وحوارات خلال العام الماضي, وكانت قد لعبت أدوارا مهمة, في تشكيلاته المختلفة, ليسمع الجميع بعضهم البعض, فنحن جميعا شركاء في الوطن والمسئولية معا, ولا يملك فرد أو حزب أو جمعية الرؤية الكاملة والصحيحة وحدها.
فالعمل السياسي, لن يصبح أداة لتحقيق مصالح أو الخروج عن القانون أو حتي التميز, بل هو عمل تطوعي هدفه التنظيم والعمل الجاد, لصالح الجماعة وإعلاء شأن الوطن, فلم يعد مقبولا أن يعمل فرد ونترك الآخرين يبددون نتائج الأعمال بإهالة التراب علي كل شيء, غير مدركين عواقب ما يعملون علي مستقبل أبنائهم ووطنهم.
وإذا كان الحزب الوطني قد خطا خطوة كبيرة في التنظيم والعمل الجماعي المشترك, فإن رؤيته لن تكتمل بدون بناء نظام سياسي متكامل للوطن ككل, يكون نموذجا للآخرين, فبناء نظام سياسي في مصر, يسمح بمشاركة الجميع وتفاعلهم داخله, هو حجر الزاوية لاستقرار إقليمي كبير, فما يحدث في مصر تكون له أصداؤه وتداعياته في منطقتنا المضطربة, والصعبة والتي تشاهد اليوم تدخلا خارجيا في شئونها, ولن نحميها بدون بناء نظام سياسي ديمقراطي حر, حي, وفعال, ومتجدد, ومنظم, يحقق مصالح مصر وترضي عنه الأغلبية وتشارك فيه, وتتفاعل معه كل فئات المجتمع بمن فيها معارضو النظام والكسالي والمترددون.
أما الذين عاشوا سنوات طويلة لا يريدون دفع ثمن أخطائهم فنقول لهم لا تتفرجوا ولا ترموا من يعمل بالحجارة, ولكن تقدموا وشاركوا بضمير حي, فنحن جميعا في حاجة ملحة إلي نظام سياسي مصري الخلق والهوي والإبداع, لا نستورده ولا يملي علينا, ولكن نصنعه بأيدينا وعقولنا وقدراتنا الذاتية, ومازال هناك, ليس عملا واحدا فقط بل أعمالا صعبة وكثيرة, حتي يكون لمصر نظام سياسي ناجح, يحقق مصالحنا ويحمينا.