مقالات الأهرام اليومى

صيف ساخن‏..‏ وتغيير ضروري

إذا استطعنا أن نرصد التطورات المهمة‏,‏ التي لاحقتنا صيفا‏,‏ فسوف نري أن حركة الحياة‏,‏ وصعوباتها‏,‏ أصبحت لا تترك لنا صيفا للراحة‏,‏ أو الإجازة‏,‏ فالأحداث تتلاحق‏,‏ والمشكلات تتعمق‏,‏ وتتراكم‏,‏ وفي رحم الصيف الحالي لم تتوقف مراكز التفكير عن متابعة الأحداث من مختلف زواياها‏,‏ وإذا كانت أحداثنا الداخلية مهمة‏,‏ ومتنوعة وكثيرة‏,‏ فإن التطورات الخارجية‏,‏ المرتبطة بها‏,‏ أصبحت أهم وأعمق‏,‏ إن لم تكن أخطر‏,‏ وصارت تمثل تحديات‏,‏ يصعب التكهن بأخطارها أو نتائجها علي مسار الحياة في بلادنا‏.‏

لكن هذه التطورات المؤثرة علي مسار السياسة المصرية‏,‏ داخليا وخارجيا‏,‏ لم تمنع الرأي العام من أن يطالب بالمزيد من العمل والتفكير في المستقبل‏,‏ بل إنني أؤكد أن هناك تعطشا من جموع الناس للتغيير‏,‏ ودفعة أسرع ليشمل مختلف مناحي الحياة‏,‏ وعلي أكثر من صعيد‏,‏ ولعل أهم ما يترقبه الناس في مصر‏,‏ من تغييرات‏,‏ هو الحياة الاقتصادية‏,‏ بل يطغي علي مجالسهم الخاصة‏,‏ الحديث عن ضرورة التغيير في كل حياتنا‏,‏ ويرون أنه يجب أن يحتل‏,‏ بكل مفرداته وآلياته‏,‏ الأولوية القصوي في سياستنا الراهنة‏,‏ سواء أكانت داخليا أم خارجيا‏.‏

وفي هذه الحال لا نستطيع أن نرفض آمال الناس وتطلعاتهم‏,‏ فإنهم ينظرون إلي أن مصر مقبلة‏,‏ في مؤتمر الحزب الوطني القادم في شهر سبتمبر‏,‏ علي مرحلة أكثر نهوضا‏,‏ وبالذات علي صعيد دفع الدماء الجديدة والسياسات المختلفة‏,‏

لكن تغيير السياسات لن يغني عن وإعطاء حرية أوسع لمشاركة الأجيال المتعاقبة‏,‏ لتلعب أدوارا أكبر من أدوارها الهامشية الحالية‏,‏ فالمشاركة السياسية الأوسع في كل قطاعات المجتمع هي الطريق لاتساع رقعة الديمقراطية‏,‏ حتي يشعر الجميع بأن الوطن لهم‏,‏ وليس حكرا علي جيل معين‏,‏ أما الأخطر فهو أن الجيل الراهن‏,‏ أصبح لا يستطيع أن يدفع ثمن التغيير أو يتحمل مسئوليته‏,‏ فهو خارج الزمن‏,‏ والتغييرات المطلوبة كبيرة‏,‏ والإصلاحات المنتظرة مهمة‏.‏

والآن‏,‏ نقول كفي إهدارا للأموال‏,‏ فقد ضاعت المليارات في دعم سلع وسياسات فاشلة‏,‏ ولم نستثمرها بشكل جيد‏,‏ ومادام الأمر كذلك‏,‏ فنحن في حاجة إلي منظومة جديدة للنهوض الاقتصادي‏.‏

فالوقت الحالي لن يسمح لنا بالعلاج‏,‏ إلا إذا جذبنا الاستثمارات المحلية‏,‏ وفتحنا الباب كاملا للاستثمارات الأجنبية‏,‏ مع خروج الحكومة نهائيا من لعبة الاستثمارات‏,‏ حتي لا تعرقلها بسياسات بيروقراطية‏,‏ أدت إلي تراجعها‏,‏ ولكن الحكومة يجب أن تكون موجودة بحسمها وإعمال قوتها في استقرار الأوضاع القانونية‏,‏ والضريبية والجمركية‏,‏ وإيجاد التنمية البشرية العالية‏,‏ عن طريق إصلاح تعليمي لا يحتمل أن يستمر في حمل الشعارات الوهمية‏,‏ عبر ضخ خريجين جامعيين غير مؤهلين‏,‏ بأعداد غفيرة‏,‏ ليس لهم مكان في سوق العمل‏,‏ في الوقت الذي توجد فيه طبقة و سيطة‏,‏ من الخريجين والعمال غير مؤهلة للاندماج في سوق العمل المرتقب‏,‏ ولكن لن يحل تلك المشكلة إلا التوسع في الإصلاح الإداري والحكومي‏,‏ ووضع خريطة محددة لنتحول من دولة موظفين إلي دولة عاملين‏,‏ ومنتجين‏,‏ ثم دفع الثمن الفادح‏,‏ مهما‏,‏ يكن‏,‏ فاستمرار الوضع الراهن‏,‏ يعد بمثابة السوس الذي ينخر في جدران المجتمع‏,‏ مما يجعلنا نخسر المستقبل‏,‏ لعدم قدرتنا علي مواجهة الواقع الراهن الصعب‏,‏ فلا شك أننا وصلنا إلي مرحلة صعبة من تداخل المصالح‏,‏ تستلزم منا فك اشتباك قاس‏,‏ لنفتح مجالا واسعا‏,‏ أمام التحديث الشامل‏,‏ يوجد أعمالا لا موظفين‏,‏ ولن نحقق ذلك بدون دولة فعالة‏,‏ وإصلاح شامل‏,‏ يفصل بين السلطات‏,‏ مع احتكام الجميع إلي قوانين حديثة ومتطورة‏,‏ تنفذها سلطة مستقلة‏,‏ لا تقبل بالوساطة‏,‏ ليحصل كل مواطن علي حقه‏,‏ مهما صغر شأنه‏,‏ كما يدفع أي مواطن‏,‏ مهما علت مكانته‏,‏ التزاماته‏,‏ دون خروج علي القانون‏,‏ وحتي ننتقل من عصر الفردية إلي عصر الاحتراف‏,‏ يجب ألا نترك الأعمال الإستراتيجية المهمة بين أيدي الهواة‏,‏ لنعلي من شأن المؤسسات‏,‏ لتقوم بأدوارها المنوطة بها‏,‏ فلن يقود الوطن‏,‏ أو يستطيع إنقاذه‏,‏ إلا من يملك رؤية وخريطة للإصلاحين السياسي والاقتصادي بلا خوف‏.‏

ونتساءل أخيرا‏:‏ هل يستطيع الحزب الوطني الديمقراطي أن يكشف عن هذه الخريطة أو الرؤية؟‏!‏ فإذا فعل فسيكون قادرا علي حكم مصر بفاعلية‏,‏ بموافقة الشعب ورضاه‏,‏ لأنه في هذه الحال‏,‏ سيكون صانع المستقبل‏,‏ وإذا لم يفعل ذلك‏,‏ فإنه ليس هناك من هو قادر علي الإصلاحات‏,‏ بالنيابة عنه‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى