حال العرب.. وتطوير جامعتهم

لقيت المقترحات المصرية الجديدة لتطوير جامعة الدول العربية, والتي نشرتها الأهرام الإثنين الماضي, اهتماما عربيا واسعا, ومناقشة جادة, في مختلف المراكز المؤثرة في المنطقة, سواء أكانت إعلامية أم سياسية, مما يدل علي أن الجامعة العربية لا تزال في صدارة الاهتمام, وأن هناك رغبة صادقة في إصلاح الشأن العربي, وبناء نظام عربي جديد, يكون الدور البارز والمحوري فيه للجامعة العربية, فهي, كمؤسسة عربية, لن تصبح مجرد تاريخ, مادامت قائمة في الواقع الآن, وقابلة للتطوير والحياة في المستقبل.
هذه المقترحات, ثم الرغبة الأكيدة, التي لمسناها لدي مختلف الدوائر السياسية في تفعيل الجامعة العربية, تبدد الغموض, الذي أحاط بالنظام العربي منذ سقوط بغداد تحت الاحتلال الأمريكي في التاسع من أبريل الماضي, ومن قبل فشل الجامعة العربية ومؤسساتها المختلفة, وأهمها القمة العربية, في تلافي هذا الحدث الجلل, الذي لا يمكن لأي أحد أن يقلل من آثاره الوخيمة, ليس علي العراق وحده, بل علي كل البلدان العربية, وإن اختلفت درجات التأثير.
وإذا كان للجامعة العربية مستقبل, فإن النقد الذاتي الصريح, وفرز النجاح من الفشل, هو الطريق المستقيم, لخلق واقع مختلف ومنظمات وهيئات جديدة, لنظام عربي آخر, يتمكن من البقاء حيا في ظروف, وتطورات عالمية, أبسط تعريف لها, أنها صعبة, ومعقدة, ومتغيرة, لا تحترم الضعفاء, وتسخر من الفاشلين, ولا تقبل التبرير والهروب, بمسمياته المختلفة, وإذا كان لنا أن نبني نظاما علي الواقع الراهن, فلنعترف بهامشية وضعف, إن لم نقل فشل النظام العربي السابق, فهو نظام كان ولايزال متداعيا, اختبرناه في أماكن كثيرة, واكتشفنا أنه كان هلاميا وكلاميا وسطحيا وشكليا في غالب الأحيان, وأن فشله في العراق, لم يكن الأول, لكنه كان الفشل الأخير, أو القشة التي قصمت ظهر البعير, وأكدت ضرورة التغيير,
رغم أن التغيير صعب علي الشخصية العربية, فهي تتسم بتأجيل القرارات الحاسمة والمصيرية, وتقبل التسويف والتبرير, وتضعه في مرتبة متقدمة علي الاعتراف بالخطيئة, وتحمل المسئولية والانطلاق من جديد, كما أنها شخصية تري في المكابرة والعناد فضيلة, بل إن بعضنا يصف هذه المكابرة وذلك العناد بالمقاومة, في حين أن العقل السليم, وصحة التفكير يفرضان علينا نظرة وروحا مختلفتين للمقاومة, والتي تكمن, في اعتقادنا, في التصحيح والبناء علي أسس سليمة.
لكن العرب لم يخرجوا من التاريخ بعد, ولا تزال أمامهم فرص عديدة, يمكن انتهازها, علي الرغم من الخسائر الضخمة التي لحقت بهم في فلسطين والعراق, وبعد الحرب علي الإرهاب والتطرف, التي أصبحوا مسئولين عنها عالميا, تلك الحروب أو غيرها أضاعت أكبر ثروة نفطية تجمعت لدي العرب عبر ثلاثة عقود بدءا من حروب الخليج العبثية وقبلها كان ضياع كل فلسطين, لكن الأخطر والأهم, كان ولا يزال, هو ترهل وضعف التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية, ثم هشاشة الوضعين السياسي والاقتصادي للعرب, وتراجع مكانتهم, مقارنة بكل مناطق وأقاليم العالم الأخري.
والحال كذلك, أصبح لزاما علينا ألا نهرب من مسئولية أوضاعنا وترديها, حتي لو كانت هناك مؤامرة عظمي تقودها الصهيونية العالمية ضدنا, فالمسئولية, والضعف يقعان, دائما علي المهزوم والضعيف, الذي لم يدرس الأوضاع جيدا, ولم يأخذ لنفسه منهجا صحيحا للعمل في مختلف الظروف والتداعيات, ليسمح له هذا المنهج بالتنبؤ بالأوضاع وتصحيح المعادلة, قبل أن تضعه دائما في موقع المهزوم, رغم كل إمكاناته, ومن يستمر في ذلك الطريق الخاطيء, يصبح فاقدا للعقل والرؤية السوية, وواقعا تحت تأثير الأوهام, ومسلما مقاليد أموره لمن هم دون المستوي.
وإذا عدنا إلي مقترحات الجامعة العربية التصحيحية, فيجب أن ندرك أن تغيير وتصحيح الحال العربية, ينبغي ألا تكتفي بالجامعة وحدها, فهي, علي الرغم من أهميتها, مجرد مؤسسة أو بنية أساسية, يبدأ من خلالها التنسيق والعمل العربي لاستكمال بناء مختلف, فتطوير الجامعة ليس غاية في حد ذاته, إنما هو من أجل أن تكون الجامعة مسئولة عن أي عمل عربي يتم علي أرض الواقع, يسمح في النهاية للناس في المنطقة العربية, بأن يتحركوا فيما بين أقطارهم بسهولة ويبنوا نظاما اقتصاديا مشتركا, ويتفاعلوا داخل إقليمهم بحرية وانطلاق, عبر نظام يكفل لهم حرية الانتقال والسلع والخدمات والأموال, كما يضمن لهم حقوقهم القانونية, والحفاظ علي أملاكهم, ويخطط لمستقبلهم, بمشاركتهم, ولا يكون بديلا عنهم.
وحتي ينجح أي نظام, ويصبح مؤثرا, يجب أن يتذكر العرب أنهم ليسوا وحدهم في الساحة, بل جزءا من نظام إقليمي, وجزءا من نظام عالمي, ويجب أيضا أن يكون هناك تواؤم وتنسيق مع بقية العالم, وليس صداما, أو خلقا لصراعات مع هذا الإقليم أو ذاك, فمثل هذه الصراعات, أصبحت صعبة علي المنطقة, وهي في حل من احتمالها, فلا هي قادرة عليها, ولا شعوبها سوف تقبل بها, فهي تتطلع إلي مرحلة جديدة من السلام والاستقرار الإقليمي والتعايش مع العالم, بما يضمن لهم حريتهم وحقوقهم, وحتي يتحقق ذلك, ينبغي أن يكون هناك حد أدني لنظام عربي جماعي, منفتح علي العالم, وفي نفس الوقت عاقل في رؤيته السياسية, يدير حوارا مع القوي الإقليمية والعالمية, يضمن لنا الحصول علي حقوقنا, والحفاظ علي هويتنا, وطبيعتنا العربية والإسلامية, في ظروف تكاد تكون صعبة,
ولا أقول, وأرفض لنفسي ولغيري أن يعترف, بأن العرب في حال هزيمة, لأن هزيمة الأنظمة القطرية والإقليمية, التي لم تخترها الشعوب بحرية, ولم توافق عليها, أو تشاركها القرارات والعمل, ليست هزيمة لهذه الأنظمة وحدها, رغم أنها تتحمل كثيرا من الآلام التي خلقتها تلك الأنظمة, بل إن هناك مسئولية علي الشعوب أيضا, ومسئوليتها ليست قليلة علي أية حال, ولكن هذه الهزيمة أو غيرها لا تصل إلي مستوي الهزيمة التامة للشعوب, وهذا ما سوف يعطيها فرصة التغيير المستمر حتي تتحمل, الشعوب العربية, مصيرها بالكامل.