حماس والجهاد وحزب الله.. وغيرها

يجب ألا ينكر أحد أن الأحزاب والجماعات الإسلامية هي جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي, في كل البلدان العربية والإسلامية تقريبا, سواء كانت هذه الجماعات والأحزاب, سياسية أو خيرية أو اجتماعية, فوجودها, في حد ذاته, دليل حي علي أنها جزء مؤثر, وإن كانت فعاليتها وأدوارها وقدرتها تختلف من مجتمع إلي آخر, ويجب أن نعترف أيضا بأنه كثيرا ما كانت لهذه المؤسسات أدوار مهمة في حياتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ومادامت هذه القوي السياسية تعد جزءا حيويا من المجتمع المدني, فإن تهميشها أو قمعها لا يخدم هدفنا, الذي ارتضيناه لأنفسنا ولبلادنا, وهو أن نبني بنية أساسية صحية لمجتمع ديمقراطي, يتنفس فيه كل فرد بحرية كاملة وبنظام, لا ينزلق إلي الفوضي, ولا يبتعد عن القانون, ولا يصادر حقوق المواطن سواء السياسية أو الاجتماعية, فمقياس تقدم الأمم ورقيها, في المراحل الراهنة والمستقبلية, رهن بقدرة القانون والنظام السياسي والاجتماعي علي استيعاب كل القوي الحية داخله, لأن حيوية هذه القوي وقدرتها علي التفاعل, سوف تنعكس, بلا شك, علي المجتمع ككل, وستفرز قيادات وأنماط عمل, تمد شبكاتها, حسب قدراتها إلي كل الناس, وحين نضرب جزءا حيا أو نهمشه داخل الجسم, فإننا نجعله معوقا وغير قادر علي مواكبة العصر, ولا يملك إمكانيات للتقدم إلي الأمام والنمو الصحي.
لقد رأيت في تسليط الضوء علي ما جري في الأراضي المحتلة صورة كاشفة, لكي نفهم كيف خطت حماس والجهاد الفلسطينيتان نحو قبول هدنة سلام, طلبتها الحكومة الفلسطينية منهما, فوافقتا عليها, ولم تتوقفا عند قبول هذه الهدنة فقط, بل بدأتا في التناغم والتكيف مع حكومة محمود عباس( أبومازن), وقد رأيت في هذه الخطوة دليلا علي صحة وكفاءة هذه المؤسسات السياسية المقاومة, وقد زاد هذا الموقف من احترامي لهما, لأنهما اتخذتا قرارات صعبة ومؤلمة لهما, متجاوزتين تحليلات مسبقة, عن طبيعة المنظمات الإسلامية, تؤكد أنها قد تكون مخلصة, ولكنها لا تعرف في السياسة, وأن تعصبها وعدم قدرتها علي الفهم والتحليل, وإدراك المتغيرات, وحقيقة الأوضاع يجعلها دائما تتخذ القرار الخاطئ.
وحتي يفرق العقلاء بين التيارات الإسلامية المعتدلة وبين تلك المتطرفة, يجب أن نتذكر أن( طالبان والقاعدة) هما نموذجان للتيارات المتكلسة, ومن علي شاكلتهما من جماعات التكفير والخوارج, علي اختلاف أنماطها والتي لا يمكن الوصول معها إلي حوار, لأنها رافضة للمجتمعات والناس جميعا, ولنتذكر عندما ذهبت وفود وعلماء مسلمين من شتي المذاهب إلي الحركتين في أفغانستان حين أقدمتا علي تدمير آثار بوذية, في جبال خوست, وقد كان هذا سلوكا مشينا واستفزازيا للحضارة الإنسانية علي مختلف مشاربها, كما للشعوب التي تعيش بالقرب من هاتين الحركتين في أفغانستان, التي تحترم بوذا, وتقدر الآثار والتاريخ, فكان الرفض لفعلهما الأحمق واضحا وبدت طالبان والقاعدة في نظر العالم في ذلك الوقت وكأنهما تتجهان إلي الانتحار, ومن هنا كان عزل العالم لهما, إلي أن خرجا علينا بجريمة11 سبتمبر2001 في نيويورك وواشنطن, التي فجرت حربا مستعرة نيرانها إلي الآن وقد طالت الجميع حتي الأبرياء منهم.
وكان لتيارات إسلامية وجماعات معتدلة أن دفعت ثمنا لحرب لم تشارك فيها, وهي بعيدة عنها كل البعد, حتي إن الحرب وصلت إلي مراكز وجماعات خيرية وثقافية, موجودة في أمريكا وأوروبا, وقد صل رذاذ حرب الإرهاب إلي أن طال الجماعات المقاومة للاحتلال في الأرض المحتلة في فلسطين ولبنان, وتناسي الذين شنوا تلك الحرب علي هذه الحركات أنها كانت تمارس المقاومة والسياسة, وقد جاءت الهدنة لتثبت فعالية هذه المنظمات, وأنها تقرأ الواقع وتحظي بالاحترام, وإن كنا لا ننسي هنا أيضا حزب الله في لبنان فهو يمارس المقاومة بقوة والسياسة باتقان, وهو الآخر مؤسسة وحزب سياسي, حرر الجنوب اللبناني, وفرض احترامه علي كل الشعوب العربية, خاصة اللبنانيين بكل طوائفهم ودياناتهم, وأثبت حزب الله أنه حريص علي الأوضاع الداخلية, وإن كان هناك خوف منه, فهذا راجع إلي التداخلات الخارجية التي يجب أن تتوقف, حتي يتكيف هذا الحزب لبنانيا, ويكون جزءا من السلام الإقليمي.
إذا تركنا الأمور تسير في الأراضي المحتلة بعقلانية واحترمت إسرائيل تعاهداتها, واجتاز الفلسطينيون تلك المرحلة الدقيقة والخطيرة من تاريخهم, ونجحت الهدنة والتناغم بين الفصائل الفلسطينية, فلن نكسب السلام وحده, ولكن سنكسب أسلوبا جديدا وقدرة علي التعامل مع الفصائل والأحزاب الإسلامية في عالمنا العربي, وهو ما يعني لنا تعافي جسم الأمة.
ودعوني أقلها صريحة, إن هذه الأحزاب أو الجماعات المحافظة, هي شبيهة بكرات الدم البيضاء في جسم الأمة, يجب أن تكون موجودة, ولكن في حدود نسبتها الصحية, فهي تتزايد في مرحلة ضعف الجسم ومهاجمته بالجراثيم أو الطفيليات, المعروفة باسم بارازيت, وكرات الدم البيضاء محدودة. أما كرات الدم الحمراء فبالملايين وفي حالة زيادة هذه الكرات البيضاء, يصاب الجسم بالأمراض السرطانية( لوكيميا سرطان كرات الدم البيضاء) وتتحول من حالة الدفاع عن الجسم إلي سبب لمرضه وقتله, ولذلك تبذل المجتمعات جهودا مكثفة وعمليات إصلاح سياسية واقتصادية واجتماعية مستمرة.
ولكن يجب ألا تشكل هذه الجماعات ـ التي أفضل أن أطلق عليها وصف الجماعات المحافظة, لأن الإسلام هو دين المجتمع والناس جميعا ـ حجر عثرة أمام تطور المجتمع العربي والإسلامي, نحو الديمقراطية وبناء المجتمع المدني الحديث, فهي جماعات قادرة بالحوار علي فهم واستيعاب التطور السياسي حتي تكون جزءا فعالا يحترم الدستور والقانون. والحوار الحي واستيعاب هذه الأحزاب أو الجماعات داخل المجتمع العربي ـ الإسلامي سينقذنا من تطورات وتداعيات خطيرة, ويجب أن يدرك العقلاء من قادة هذه التنظيمات الحكمة من التعامل والتفاعل مع المجتمع, كما أدرك قادة التنظيمات المحافظة في فلسطين بعيدا عن التهويل أو التجاهل, فالتطور الراهن والاتجاهات الحديثة في البناء السياسي والاقتصادي لها ضرورات ملزمة.
كما أن الفهم الصحيح للجماعات المحافظة المسماة الإسلامية لدورها سيجعلها جزءا فعالا من تطور مجتمعاتنا وليس عقبة نحو التصحيح والتقدم وبناء بنية أساسية مستقرة وقوية لنظام سياسي واقتصادي يتطور وينمو باستمرار لصالح الشعوب, وإلا تحولت هذه الجماعات إلي عقبة ضد هذه البرامج ويدفعها هذا التطور نحو حائط التطرف فتنضم إلي منظمات الخوارج, وتجعلنا نخسر مرتين, الأولي, لأننا نحتاج إلي دورها مثل كرات دم بيضاء, للحفاظ علي جسم الأمة ونقائها, وهويتها وثقافتها, أما الثانية, فلأنها ستأخرنا وتدفعنا إلي متاهات وصراعات وأمامنا شواهد عديدة لحروب إرهابية اندفعت وأخرت الديمقراطية والتطور السياسي.
أعتقد أن وعي المجتمع والنخبة بأدوار الجميع في إحداث التطور السياسي, سوف يدمج كل الخارجين ويستفيد بهم, فالمجتمعات الصحية في حاجة إلي قدرات وإمكانيات كل أبنائها.