مقالات الأهرام اليومى

أبعد من انتخابات نقابة الصحفيين

تمثل النقابة للمهني بيتا وسياجا حاميا‏,‏ يلجأ إليه دوما كملاذ لحياته في كل جوانبها‏,‏ أما للوطن فتمثل مؤسسة لكل كياناته‏,‏ فهي تترجم وجاهة المهنة‏,‏ وعمق تأثيرها‏,‏ وأخيرا تمثل النقابة للمجتمعات السياسية‏,‏ بنية أساسية‏,‏ لا غني عنها‏,‏ لقيام المجتمع الديمقراطي‏,‏ فالديمقراطية لا تمارس إلا عبر مؤسسات فعالة وقوية‏,‏ وقد شغلتني دائما‏,‏ عبر مراحل حياتي‏,‏ القضية النقابية‏,‏ ممارسة ودورا‏.‏
وبمناسبة انتخابات أهم النقابات المصرية‏,‏ نقابة الصحفيين رأيت أن أدلي برأيي‏,‏ وبالرغم من حساسية حديث الصحفي عن شأن خاص‏,‏ فقد رأيت أن أتجاوز عن هذه الحساسية‏,‏ لأن النقابات شأن عام للوطن وللمهنيين‏,‏ علي اختلاف أدوارهم‏,‏ كما أن نقابة الصحفيين لها وضعية شديدة الخصوصية‏,‏ فارتباطها عضوي بكل المواطنين‏,‏ لأن إنتاج الصحافة‏,‏ صحفا ومجلات‏,‏ وأخبارا‏,‏ وتحقيقات وعملا إعلانيا‏,‏ لا ينتجه الصحفي لنفسه بل للمجتمع ككل‏,‏ ووضع النقابة ومستقبلها وطبيعة تفاعل أعضائها داخلها‏,‏ يعد عملا عاما للجميع‏,‏ ولذلك يجب أن تنتهي مثل هذه الحساسية‏.‏

ونقابة الصحفيين تدخل انتخاباتها الجديدة هذا الشهر‏,‏ وهو ما يعد حدثا مهما‏,‏ يجب عدم تجاهله‏,‏ فانتخابات يونيو‏2003,‏ ستكون الأولي لمجلس نقابة منتخب داخل مبني جديد‏,‏ يعتبر بشكله وإمكاناته المتميزة‏,‏ فائقة الجودة والكفاءة‏,‏ حدثا في حد ذاته‏,‏ ومع ذلك فإنه يجب أن يثبت النقابيون أنهم سوف يتجاوزون الشكل نحو المضمون والعمل الجاد‏,‏ الذي هو جوهر الأشياء‏,‏ لذلك فإنه من الضروري أن يتم تحويل مبني عبدالخالق ثروت الأسطوري الجميل ليكون منارة للإبداع والحرية والنشاط‏,‏ ليس للصحفيين وحدهم‏,‏ ولكن للنقابيين جميعا‏,‏ والمهنيين عموما‏,‏ وهذا أمر مهم لمستقبل مصر السياسي‏,‏ الذي أصبح قضية جوهرية كبري‏,‏ يجب أن تحظي باهتمام الصحفيين‏,‏ شأنهم شأن كل فئات المجتمع‏,‏ فنحن مقبلون علي تغيير سياسي مهم‏,‏ لبناء ديمقراطية حقيقية‏,‏ لتنجح مصر وسط محيطها‏.‏
وحتي يتحقق ذلك‏,‏ فإنه سيكون من الضروري أن يصبح المجتمع المدني ليس هو القائد فقط‏,‏ بل صانع الأحداث‏(‏ والنقابات هي عنصر فاعل‏,‏ تمثل النخب السياسية والتفكير العقلاني للمجتمع‏,‏ فهي التي تقود الجمعيات والأحزاب‏,‏ بل كل مؤسسات هذا المجتمع المدني‏)‏ حتي تخرج بلادنا من شرنقة الأوضاع السياسية التقليدية إلي بناء جديد ومختلف‏,‏ ومتطور‏,‏ يمثل قمة التفاعلات الناتجة من عملية الإصلاح السياسي التي ستلعب فيه النقابات المهنية دورا كبيرا‏,‏ وفي القلب منها‏,‏ نقابة الصحفيين‏,‏ باعتبارها واسطة العقد‏,‏ ونقطة كيمياء التفاعل‏,‏ وذلك هو دور الصحفيين في مجتمعاتهم‏,‏ ودور ومكانة نقابتهم وسط المهن والنقابات الأخري‏.‏

أما علي صعيد الحرية‏,‏ ومكانتها في مصر‏,‏ فنحن علي أبواب نقلة نوعية جديدة‏,‏ بعد أن ترسخت حرية الصحافة‏,‏ ومكانة القلم‏,‏ ولم تصبح هناك حرية للصحفيين فقط‏,‏ بل حرية عامة للمجتمع‏,‏ فقد حصلنا خلالها علي حرية القول في كل مجالات الحياة‏,‏ وانعدم الخوف لدي الممارسين للمهنة‏,‏ فلم يعد هناك مواطن يدفع ثمن حريته‏,‏ ولا هناك من يخشي من كتبة التقارير كما سبق أن عشنا طويلا‏,‏ في عقود ماضية‏,‏ كما نجح الصحفيون عبر نقابتهم في معركة قاسية‏,‏ عرفت بتصحيح القانون‏193‏ لعام‏1995,‏ في تكريس قيم الحرية‏,‏ وإلزام كل القوي والمؤسسات الأخري بعدم تجاوزها‏.‏
لكن بقيت أمام المجلس الجديد المرتقب معركة جديدة لا تقل أهمية عن المعركة السابقة‏,‏ لتصحيح وضع تشريعي خاطيء‏,‏ يؤدي إلي حبس الصحفيين في حالة وقوع تجاوز‏,‏ في أثناء ممارستهم للمهنة‏,‏ وهو قانون من موروثات الماضي‏,‏ ذلك القانون الذي كان يجرم الرأي ويخاف من الكلمة ويتوجس من الحرية‏,‏ أما الزمن الجديد الذي نعيشه فيفتح كل الأبواب ويحمي حقوق الإنسان‏,‏ وعليه فيجب أن يلغي هذا القانون‏,‏ ويوضع علي أرفف التاريخ‏,‏ فينبغي ألا يهتز قلم لصحفي وهو يكتب عن مجتمع يكشف فيه الفساد‏,‏ وإذا كنا نحن الصحفيين‏,‏ نعترف بأن المخطيء‏,‏ حتي في مهنتنا‏,‏ يجب أن يعاقب‏,‏ فإنه في مهنة يعبر فيها الصحفي للمجتمع والحقيقة‏,‏ يجب تحصين مثل هذه المهنة ليس بحبس الصحفي‏,‏ إنما‏(‏ يترك‏)‏ لنقابته أو القانون العادي لتغريمه فقط‏,‏ ولعل قضية الصحفي‏(‏ مصطفي بكري وشقيقه محمود بكري‏)‏ تكشف كيف وقع الأخوان ضحية إخلاصهما لمهنتهما‏,‏ فالقضية التي يعاقبان في ظلها الآن‏,‏ هي قضية فساد‏,‏ أدانتها المحكمة‏,‏ بل وصفت المتهم في حيثياتها بأوصاف أكثر قسوة وإيلاما مما وصفه الصحفيان المحبوسان‏,‏ لذا فهما لا يستحقان الحبس‏,‏ ومن الضروري أن يتكاتف الصحفيون من خلال ن
قابتهم في إلغاء الحبس في قضايا النشر‏,‏ وهذا عمل سياسي يكرس الحرية‏,‏ ويحمي المجتمع‏,‏ وليس قضية عدل وحق للصحفيين فقط‏.‏
ولعل ما يجب أن نركز عليه في المرحلة الراهنة‏,‏ هو أن ينشغل الصحفيون بقضايا مهنتهم ومستقبلها وتطويرها‏,‏ لتنافس وتصبح علي المستوي العالمي من حيث المعايير الدولية‏,‏ أكثر من انشغالهم بالانتخابات‏,‏ وبالرغم من أهمية عملية الترشيح والتصويت فإن مستقبل المهنة والنقابة‏,‏ هو الذي يجب أن يحظي بالاهتمام‏,‏ ولعل من حسن طالع النقابة أن يجمع الصحفيون علي اختيار النقيب إبراهيم نافع ليقود نقابتهم في هذه اللحظة الدقيقة والحساسة‏,‏ في مستقبل النقابة وتطوير المهنة‏,‏ فقد كان هو نفسه الذي قاد معركة القانون الشهيرة‏,‏ التي كرست الحرية للصحفيين والصحافة‏,‏ وهو نفسه الذي كان وراء قيام وإنشاء هذا المبني‏,‏ الذي نريده منارة عمل للمستقبل‏,‏ وهو نفسه‏,‏ بتجربته الصحفية والنقابية الخصبة والثرية الذي أعلي من شأن المؤسسة وفتح الباب لكل الأجيال‏,‏ وكان نموذجا فريدا في التواضع واحترام الجميع‏,‏ ووضع مصالح وطنه ومهنته فوق كل شيء‏,‏ وأكثر من ذلك يظل النقيب عف القلم واللسان‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى