مقالات الأهرام اليومى

صحافة العرب المطبوعة‏..‏ تواجه التحديات

نعيش عربيا‏,‏ لحظة فاصلة في التاريخ المعاصر‏,‏ فمن المنطقة العربية تبدأ تحولات عالمية كبري‏,‏ ولما كانت الصحافة المكتوبة‏,‏ ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة‏,‏ ليست بعيدة عن هذه التحولات الهائلة‏,‏ فإنني لبيت دعوة من الكويت لحضور الملتقي الإعلامي الأول حول الإعلام ومتطلبات العصر لمناقشة أوضاع الصحافة العربية المكتوبة‏,‏ التي تواجه خطرين‏.‏

الأول هو التنافس الرهيب من وسائل الإعلام المرئية‏,‏ بعد انتشار القنوات الفضائية العربية‏,‏ أما الثاني فمازالت القيود تمارس علي حرية إصدار الصحف‏,‏ وبين هذين الخطرين‏,‏ يوجد عامل آخر لا يقل خطورة عنهما‏,‏ وهو أن الأمية لدي القراء العرب قد تؤدي إلي زعزعة الصحافة العربية المكتوبة وتعصف بها خاصة إذا أدركنا أن بعض العرب يفضلون الاستماع والرؤية علي الكلام المكتوب‏.‏

في ظل هذه الأخطار هل تختفي الصحافة المطبوعة في ظل تصاعد الصحافة المرئية‏,‏ الإلكترونية‏,‏ والتليفزيونية؟ من وجهة نظري هذا سؤال قديم يتردد كلما تم اختراع وسيلة إعلامية أخري‏.‏

ولأن الأوضاع العامة للصحافة المطبوعة تشكل همي الأول‏,‏ أردت أن أفتح باب الحوار بين الصحفيين والإعلاميين والأكاديميين‏,‏ حتي يمكن أن نصل إلي تصور خلاق ومبدع للدور الذي يمكن أن تقوم به الصحافة في المجتمع العربي‏,‏ وهو ليس معزولا عما يجري دوليا‏,‏ فأوضاع الصحافة المطبوعة عربيا‏,‏ هي نفسها أوضاع الصحافة العالمية‏.‏

وقد لاحظت أنه في عام‏1986,‏ أن اجرت مجموعة صحف نايت رايدر الأمريكية استطلاع آراء القراء حول مستقبل الصحافة المطبوعة‏,‏ وكان السؤال الأساسي في هذا الاستطلاع هو‏:‏ بحلول عام‏2000,‏ هل تعتقد أن الصحافة المطبوعة سوف تختفي لتحل محلها الصحف الإلكترونية؟ فجاءت معظم إجابات القراء مؤكدة أن الصحافة المطبوعة سوف تختفي لحساب صحافة جديدة يتم بثها إلكترونيا‏.‏

وجاء عام‏2000‏ ومضي من القرن الجديد ثلاثة أعوام ولاتزال الصحف المطبوعة تصدر وتحقق في أرجاء العالم طوال سنوات التسعينيات معدل نمو سنوي يتراوح بين‏32‏ ــ‏34%.‏

ومع ذلك لايزال البعض بين الحين والآخر يردد مقولة اختفاء الإعلام الطباعي بوجه عام لحساب الإنترنت والصحافة الإلكترونية‏,‏ ونحن ندرك تماما أن ظهور وسائل إعلام جديدة بفعل التطورات في تكنولوجيا الاتصال لن يكون علي حساب الصحافة أو حتي أي وسيلة إعلامية أخري‏,‏ فقد سبق أن قيل إن الراديو سوف يقضي علي الصحافة‏.‏

كما أن هذا التحدي يواجه الصحافة في كل مكان في العالم‏,‏ حتي إن اتحاد ناشري الصحف الأمريكيين أصدر كتابا بعنوان مفاتيح البقاء يحدد فيه استراتيجيات العمل الصحفي في المناخ الإعلامي المتغير‏,‏ وفي العالم العربي تزداد تحديات الصحافة ربما أكثرمن أي مجتمع آخر‏,‏ فهناك نمو غير طبيعي وغير مبرر في عدد القنوات التليفزيونية الفضائية والأرضية‏,‏ ومثلما هي الحال في مناطق العالم الأخري يتمدد الإعلام التليفزيوني علي حساب الإعلام الصحفي‏,‏ وإذا أخذنا في الاعتبار أن جمهور الصحف في العالم العربي أصلا منخفض قياسا إلي عدد السكان لأدركنا حجم المشكلة التي تواجهها الصحافة العربية المطبوعة‏.‏

فالصحافة العربية ليست كالصحافة الأمريكية أو الأوروبية لها كيانات تنظيمية‏,‏ يمكن أن تنظر في الشأن العام للصحافة‏,‏ وبالتالي فنحن في حاجة إلي أن ينهض اتحاد الصحفيين العرب بمهمة دراسة مستقبل الصحافة العربية في ظل التطورات الراهنة‏.‏

وتمثل اقتصاديات الصحافة العربية الراهنة واحدا من أكبر التحديات التي تواجه الصحافة العربية في الوقت الراهن‏,‏ والأوضاع الاقتصادية للصحافة العربية ليست نتيجة انخفاض حجم جمهور الصحف ولكنها نتيجة تفاعل بين عوامل كثيرة‏,‏ جعلت مفهوم الصحيفة الأقوي اقتصاديا في العالم العربي هي الصحيفة غير المدينة‏.‏

من هنا فإن الصحافة العربية في حاجة إلي بنية اقتصادية أقوي مما هي عليه الآن بظهور شركات إعلانية وإعلامية تتولي أيضا مهام التوزيع برؤوس أموال مشتركة توفر الاستثمارات اللازمة لقيام كيانات قوية لدعم قيام الصحافة العربية بدورها المأمول‏.‏

وفي العالم العربي قائمة طويلة من المشكلات التي تحول دون التضامن المالي أو التعاون المشترك بين الصحف التي تصدر في بلدان عربية مختلفة‏,‏ فليست هناك مؤسسة صحفية عربية ذات ملكية عربية مشتركة يمكن أن تحقق التوسع والامتداد في الأسواق العربية‏,‏ فالاستثمارات العربية المشتركة أقل من أن تذكر‏,‏ هذا إن كانت قائمة من الأصل‏.‏

لكن المشكلة الاقتصادية ليست الوحيدة التي تواجه الصحافة العربية المطبوعة‏,‏ فهناك ظاهرة الصحف المهاجرة التي جاءت تعبيرا عن شدة القيود التي تكتنف صناعة الصحافة العربية‏,‏ وعلي الرغم من التحسن النسبي الذي طرأ علي مناخ الصحافة العربية‏,‏ فإنه لايزال دون المستوي المطلوب بمراحل طويلة‏,‏ ويتعين النظر في حرية الصحافة بمفهوم أوسع من الحق في النقد أو التعبير‏,‏ وإنما يتعداه إلي التخلص من القيود التي تعوق إصدار الصحف وإطلاق حق الصحافة في الوصول إلي المعلومات والشفافية وتنقية القوانين من كل ما يعوق الصحافة عن تنوير الرأي العام‏,‏ وهناك أيضا ما يتعلق بحرية تدفق المطبوعات العربية عبر الحدود العربية‏,‏ ففي الوقت الذي تقتحم فيه الفضائيات العربية الحدود بغير عوائق لاتزال بعض الحكومات تضيق ذرعا بالنقد في الصحافة‏,‏ ولا تجد وسيلة سوي منع الصحف والمجلات العربية من الدخول إلي أراضيها‏.‏

وبالرغم من تلك القيود‏,‏ فإن التدفق الإعلامي‏,‏ في عالم اليوم‏,‏ استطاع أن يكسر الحدود‏,‏ ومع تزايد هذا التدفق الإعلامي لم يزل المتلقي العربي غير قادر علي تكوين رأي صحيح في العديد من القضايا الملحة في عالم اليوم‏,‏ وعلي رأسها قضيتان مهمتان هما الأولي‏:‏ التطرف والإرهاب‏:‏ فلم نصل بعد إلي صياغة إعلامية صحيحة للتعامل مع هذه الظاهرة التي أوقعت بالعالم العربي خسائر فادحة داخليا وخارجيا‏,‏ ففي كثير من الأحيان تحول الخطاب الإعلامي بشأن ظاهرة الإرهاب إلي توفير غطاء للجماعات المتطرفة بفعل العداء الخارجي لهذه الظاهرة‏.‏

أما الثانية‏:‏ فهي الحرية والديمقراطية‏:‏ وهي قضية كل القطاعات والمؤسسات القائمة‏,‏ ولن نحقق تحولا حقيقيا في مساعينا نحو الحرية والديمقراطية بتحميل بعض القطاعات المسئولية كلها‏,‏ فالصحافة أيضا ملزمة بدعم مكانة الحرية في ثقافتنا وأسلوب حياتنا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى