اللحظة الفارقة في زيارة بوش الابن

المفارقة أن يبدأ الرئيس جورج دبليو بوش, زيارة طويلة خارج بلاده, في مهمة هي الأصعب في تاريخه والعالم ومنطقتنا, وضمن برنامج هذه الزيارة الشرق الأوسط, فالرئيس الأمريكي شاء حظه وتاريخه, أن يكون الأكثر إثارة للجدل لأنه لم يتوقف عن الحرب, فمنذ أن امتحنت بلاده وإدارته بأحداث11 سبتمبر(2001).. خاض حربين كبريين, وفي واحدة منهما, دخلت قواته بغداد أقدم العواصم العربية(2003).
يأتي بوش إلينا في لحظة فارقة له ولنا, وإن كان قد بدأ رحلته برسالة تقول إنه جاء ينظر في أعيننا ليقول كلماته التي وصفت بالحاسمة.. فمن الطبيعي أن نقول له إن النظرة متبادلة.. فسوف ننظر في عينيك, لنقول الكثير, ونتطلع لأن تكتمل النظرات, وهي مهمة وضرورية للتفاعل الإيجابي الذي ننتظره من رحلته التي سيذكرها التاريخ لمعانيها المتعددة وأدوارها المختلفة.
وبداية وحتي يدرك الرئيس الأمريكي بوش, نقول له إننا نفهم وندرك مغزي كل شيء يحدث حولنا, وان قمته في شرم الشيخ, التي تسبق قمته في العقبة, قد وصلت رسالتها الأولي, وهي للعرب, كما تقول نفس الرسالة لإسرائيل, إن القرار الشرق أوسطي سيكون أمريكيا أكثر منه إسرائيليا, فقد أراد شارون أن تكون القمة الأمريكية الأولي للإدارة الحالية, في الشرق الأوسط في العقبة بشروطه, وفي ضوء اختياراته هو لمن يحضرها, وكأنه يقول للعرب وللشرق أوسطيين والأوروبيين بل للأمريكيين في أول جس نبض جديد من نوعه, إن القرار في لعبة السلام سيكون إسرائيليا, واختياراتها هي الحاسمة, لكن قمة شرم الشيخ جاءت بالشروط المصرية والرغبة الأمريكية, والحضور العربي القوي والممثل لكل الدول العربية من المغرب والخليج والمشرق ودولة رئاسة القمة العربية, لكي تقول للجميع إن الفعل العربي مازال قويا ومؤثرا علي الإدارة الأمريكية بل علي القرار الدولي, برغم الظروف العالمية القاسية والتطورات المؤلمة في مسار القرار الدولي الذي رافق الحرب, تلك الظروف التي جعلت تسلط المتطرفين علي الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية قياسيا, وهذا الفعل العربي مؤشر برغم رمزيته يعكس تفاؤلا وإن كنا نضعه في حدوده من الآن, لأن القادم سيكون أكثر.
فالامتحان كبير وقاس, والمطلوب من الجميع تضحيات جسيمة, ولنستخدم هنا لغة شارون إذا كان يقصدها فعلا عندما تكلم عن التنازلات المؤلمة, ونقول إذا كان مقصدها الحقيقي, هو تحقيق السلام والاستقرار لشعوب العالم القديم ولأراضي المقدسات الدينية التي هي نقطة الارتكاز للعالم المعاصر, فإنه ثمن سهل, يمكن أن يدفعه الجميع, لأن الذي سيفهم هذا الثمن, سيجده غير مؤلم, لأنه سيخطو بنا نحو الحق والحقيقة. وسينهي كوارث ستتحملها الأجيال القادمة, ولن يستطيع أن يفعل ذلك, إلا السياسي البارع والقائد التاريخي الذي يقطف ثمار الفرص التي تمنح له في حياته, ليدخل التاريخ, ويكون من صناع أحداثه, وليس من القادة الذين سوف يمر عليهم التاريخ بلا ذكر لأن أدوارهم محدودة أو كانوا عقبة في صنع التطورات الكبري التي تبقي للشعوب وللحياة.. ويخلد بها القادة صانعو هذه الأحداث الكبري.
القضية الفلسطينية تمتحن مرتين في قمتي شرم الشيخ والعقبة في حضور شهود وقادة تاريخيين, في عقد واحد من الزمان, وهما مرتان, لا تختلفان في جوهرهما. كانت الأولي في أوسلو وهنا تتجدد المفارقة بين بوش الأب والابن من الأولي إلي الثانية.. ولعل فشل الأولي كان سببه المباشر والقوي عدم وجود التزام أمريكي واضح بالضغط علي إسرائيل خوفا من البعبع الذي يضعف الرؤساء الأمريكيين دائما, وهو الانتخابات الرئاسية وقوة اللوبي الإسرائيلي, وضعف أي رئيس أمريكي أمام إغراءات وقوة الإسرائيليين ومناصريهم في الشارع الأمريكي.
ولعل هذه المرة تتحكم المفارقة, فقد لا يضغط بوش الابن علي إسرائيل مرة أخري خوفا وطمعا في التجديد له في الانتخابات الثانية, ولكننا أمام ظروف مختلفة إقليميا ودوليا ـ كما قال لي أحد الحكماء إذا فشلت إسرائيل هذه المرة, فستكون هي الخاسر الأكبر لأن الذي سيكون مهددا هنا هو الدولة اليهودية النقية القوية التي يتطلعون إليها لأنها ستدخل دوامة الفوضي والفشل الإقليمي الكامل, الذي لا تستطيع أن تعيش فيه دولة إسرائيلية, حتي لو كانت قوية ومحاطة بالأسوار الواقية, فحجم الانهيار والطوفان القادمين أكبر من الأسوار مهما تكن منعتها أو قوتها, وهنا يجب أن يتماسك الجميع عربا وإسرائيليين وأمريكيين وأوروبيين لمنع هذا الفشل وتحجيم مخاطره, لأن أحدا لن ينجو منه.
فالإرهاب الذي تحاربه أمريكا يتغذي علي هذه القضية, كما أن الفشل العربي والإقليمي الذي نعيشه يبرره استمرار الظلم الواقع علي الشعب الفلسطيني, ونمو التطرف الديني. وغياب الديمقراطية لدي شعوبنا أحد مسبباته هو الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
أما علي صعيدنا الداخلي والعربي فالمفارقات لا تنتهي لأننا أمام لحظة فارقة للإصلاح داخليا وإقليميا وعالميا.. ويجب أن ينتهزها الجميع, ومن يهدر الفرصة أو يقف عقبة فلن يهرب هذه المرة من الحساب, وما أقصده هنا هو حساب التاريخ والأجيال الحالية والقادمة, فالنهوض في عالمنا المعاصر له معيار واحد يتطلب القدرة علي البناء لا الهدم.
كما أن المتطرفين بكل أشكالهم, يجب أن يدركوا أن المرحلة الراهنة تتطلب شجاعة الحياة قبل شجاعة الموت, قبل أن يجرف الطوفان الجميع.
كما أن العقلانيين أيضا يجب أن يدركوا أنه يمكن الموازنة بين تراثنا, وقيمنا الثقافية والدينية, وبين متطلبات اللحظة الراهنة من التغيير, والتحديث والنمو والالتحاق بالاقتصاد الحديث والسياسة المعاصرة.
أما حكوماتنا العربية, فيجب أن تدرك أن المشهد الجديد معقد وصعب, وشائك, واجتيازه يتطلب تغييرا في الأداء السياسي والاقتصادي, الذي يجب أن يسير بلا توقف أو تردد نحو التحديث والتقدم, واكتساب القوة الحضارية بشروطها العلمية والتقنية في العالم المعاصر, فالمهم أن يكون للحكم مستقبل.
المفارقة أن يبدأ الرئيس جورج دبليو بوش, زيارة طويلة خارج بلاده, في مهمة هي الأصعب في تاريخه والعالم ومنطقتنا, وضمن برنامج هذه الزيارة الشرق الأوسط, فالرئيس الأمريكي شاء حظه وتاريخه, أن يكون الأكثر إثارة للجدل لأنه لم يتوقف عن الحرب, فمنذ أن امتحنت بلاده وإدارته بأحداث11 سبتمبر(2001).. خاض حربين كبريين, وفي واحدة منهما, دخلت قواته بغداد أقدم العواصم العربية(2003). يأتي بوش إلينا في لحظة فارقة له ولنا, وإن كان قد بدأ رحلته برسالة تقول إنه جاء ينظر في أعيننا ليقول كلماته التي وصفت بالحاسمة.. فمن الطبيعي أن نقول له إن النظرة متبادلة.. فسوف ننظر في عينيك, لنقول الكثير, ونتطلع لأن تكتمل النظرات, وهي مهمة وضرورية للتفاعل الإيجابي الذي ننتظره من رحلته التي سيذكرها التاريخ لمعانيها المتعددة وأدوارها المختلفة.وبداية وحتي يدرك الرئيس الأمريكي بوش, نقول له إننا نفهم وندرك مغزي كل شيء يحدث حولنا, وان قمته في شرم الشيخ, التي تسبق قمته في العقبة, قد وصلت رسالتها الأولي, وهي للعرب, كما تقول نفس الرسالة لإسرائيل, إن القرار الشرق أوسطي سيكون أمريكيا أكثر منه إسرائيليا, فقد أراد شارون أن تكون القمة الأمريكية الأولي للإدارة الحالية, في الشرق الأوسط في العقبة بشروطه, وفي ضوء اختياراته هو لمن يحضرها, وكأنه يقول للعرب وللشرق أوسطيين والأوروبيين بل للأمريكيين في أول جس نبض جديد من نوعه, إن القرار في لعبة السلام سيكون إسرائيليا, واختياراتها هي الحاسمة, لكن قمة شرم الشيخ جاءت بالشروط المصرية والرغبة الأمريكية, والحضور العربي القوي والممثل لكل الدول العربية من المغرب والخليج والمشرق ودولة رئاسة القمة العربية, لكي تقول للجميع إن الفعل العربي مازال قويا ومؤثرا علي الإدارة الأمريكية بل علي القرار الدولي, برغم الظروف العالمية القاسية والتطورات المؤلمة في مسار القرار الدولي الذي رافق الحرب, تلك الظروف التي جعلت تسلط المتطرفين علي الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية قياسيا, وهذا الفعل العربي مؤشر برغم رمزيته يعكس تفاؤلا وإن كنا نضعه في حدوده من الآن, لأن القادم سيكون أكثر. فالامتحان كبير وقاس, والمطلوب من الجميع تضحيات جسيمة, ولنستخدم هنا لغة شارون إذا كان يقصدها فعلا عندما تكلم عن التنازلات المؤلمة, ونقول إذا كان مقصدها الحقيقي, هو تحقيق السلام والاستقرار لشعوب العالم القديم ولأراضي المقدسات الدينية التي هي نقطة الارتكاز للعالم المعاصر, فإنه ثمن سهل, يمكن أن يدفعه الجميع, لأن الذي سيفهم هذا الثمن, سيجده غير مؤلم, لأنه سيخطو بنا نحو الحق والحقيقة. وسينهي كوارث ستتحملها الأجيال القادمة, ولن يستطيع أن يفعل ذلك, إلا السياسي البارع والقائد التاريخي الذي يقطف ثمار الفرص التي تمنح له في حياته, ليدخل التاريخ, ويكون من صناع أحداثه, وليس من القادة الذين سوف يمر عليهم التاريخ بلا ذكر لأن أدوارهم محدودة أو كانوا عقبة في صنع التطورات الكبري التي تبقي للشعوب وللحياة.. ويخلد بها القادة صانعو هذه الأحداث الكبري. ولعل هذه المرة تتحكم المفارقة, فقد لا يضغط بوش الابن علي إسرائيل مرة أخري خوفا وطمعا في التجديد له في الانتخابات الثانية, ولكننا أمام ظروف مختلفة إقليميا ودوليا ـ كما قال لي أحد الحكماء إذا فشلت إسرائيل هذه المرة, فستكون هي الخاسر الأكبر لأن الذي سيكون مهددا هنا هو الدولة اليهودية النقية القوية التي يتطلعون إليها لأنها ستدخل دوامة الفوضي والفشل الإقليمي الكامل, الذي لا تستطيع أن تعيش فيه دولة إسرائيلية, حتي لو كانت قوية ومحاطة بالأسوار الواقية, فحجم الانهيار والطوفان القادمين أكبر من الأسوار مهما تكن منعتها أو قوتها, وهنا يجب أن يتماسك الجميع عربا وإسرائيليين وأمريكيين وأوروبيين لمنع هذا الفشل وتحجيم مخاطره, لأن أحدا لن ينجو منه. أما علي صعيدنا الداخلي والعربي فالمفارقات لا تنتهي لأننا أمام لحظة فارقة للإصلاح داخليا وإقليميا وعالميا.. ويجب أن ينتهزها الجميع, ومن يهدر الفرصة أو يقف عقبة فلن يهرب هذه المرة من الحساب, وما أقصده هنا هو حساب التاريخ والأجيال الحالية والقادمة, فالنهوض في عالمنا المعاصر له معيار واحد يتطلب القدرة علي البناء لا الهدم. كما أن العقلانيين أيضا يجب أن يدركوا أنه يمكن الموازنة بين تراثنا, وقيمنا الثقافية والدينية, وبين متطلبات اللحظة الراهنة من التغيير, والتحديث والنمو والالتحاق بالاقتصاد الحديث والسياسة المعاصرة. |