الأسواق المرتقبة: أمريكية شرق أوسطية .. وأوروبية متوسطية.. وعربية!

السوق الحرة التي طرحها جورج بوش بين أمريكا ودول الشرق الأوسط, تزامنت مع مناخ سياسي مضطرب عالميا, وأوضاع إقليمية في منطقة الشرق الأوسط يشوبها كثير من التوتر وهاجس الخوف. ففي الوقت الذي احتلت فيه العراق أمريكيا بالكامل, وقبل أن تعترف الأمم المتحدة والأوروبيون, الذين سبق لهم أن شقوا عصا الطاعة الأمريكية, بالأوضاع الجديدة, جاء الإعلان الأمريكي عن السوق المرتقبة لكي يشير في الشكل دون المضمون إلي أن هناك صراعا ليس سياسيا أو عسكريا فقط علي المنطقة العربية, إنما اقتصادي, لأن معظم الدول التي أشار إليها بيان بوش في السوق المرتقبة هي كلها أو معظمها منخرطة بالفعل في التنسيق والمشاركة الأوروبية المتوسطية التي تعرف بعملية برشلونة منذ عام1995.
هذه السوق تسير بانتظام بين دول الاتحاد الأوروبي وبين معظم الدول العربية المتوسطية والاجتماعات علي قدم وساق بين كل هذه الدول, ثنائيا وجماعيا, ولم تمنع التحفظات العربية علي إسرائيل أن يشاركوا جميعا في عملية برشلونة, إلا أن هذه الاجتماعات راعت تحفظا شكليا آخر أيضا, هو أن تتم في عواصم أوروبية لا يتحفظ أحد علي الاجتماع فيها في حضور إسرائيل, وبذلك انتفي عمليا الخوف من البعبع الإسرائيلي في الاجتماعات والأسواق الجديدة, بل إن الدول العربية وجامعتها تركز في كل اجتماع يحضره الخبراء والمتخصصون علي تفعيل الحوار العربي ـ الأوروبي الجماعي, علي أن تنضم الدول التي مازال هناك تحفظ أوروبي عليها, ويلاحظ في هذا الشأن أن هناك عدم استجابة أوروبية للمطالب العربية بشأن مشاركة بقية الدول العربية, خاصة المتوسطية منها, علي الرغم من أن اتفاقيات المشاركة تمت بمبادرة أوروبية, وليست عربية, فقد ذهبت كل الدول العربية فرادي لهذا الاتفاق, حتي إن دول الاتحاد المغاربي لم تستطع أن تنسق فيما بينها, ودارت كل المباحثات مع أوروبا من خلال الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المختلفة, وبالتالي فكل الدول العربية المتوسطية أصبحت جزءا من عملية تنسيق, وتعاون علي المستوي الإقليمي من خلال الاتحاد الأوروبي, وليس من خلال التنسيق العربي ـ العربي, الذي لم يرق إلي أي مستوي, كما يحدث من خلال عملية برشلونة, فعمليا الأسواق العربية مهيأة لسوق واحدة عبر السوق الأوروبية, بل إن معظم البرلمانات العربية صدقت علي اتفاقية المشاركة المتوسطية الأوروبية, والسوق أصبحت حقيقة واقعة ولا محالة..
كما أن كل الدول التي انضمت إلي إلي الاتفاقيات المتوسطية الأوروبية هي أعضاء في منظمة التجارة العالمية, ووافقت علي بنودها التي دخلت حيز التنفيذ, أما الدول الأخري التي لم تنضم إليW.T.O التي تعرف خطأ باسم الجات, فقد تقدمت بطلبات للانضمام, بل ان مندوبيها التجاريين يسعون جاهدين إلي التسريع في الانضمام, وهذه الدول مازالت في طور الاستعداد الداخلي لتهيئة اقتصادياتها لهذا التطور الجديد بتغيير في قوانين الاستيراد والتصدير, وتشغيل العمالة وضمان حقوقها, وقوانين الملكية الفكرية, وتنظيم تبادل السلع والخدمات, وهذه كلها شروط داخلية حتي تتناسب مع الاقتصاديات العالمية.
كما نسمع ونقرأ, فإنه ليست هناك دولة واحدة ترفض الانخراط في منظمة التجارة العالمية من السعودية إلي الصين, ولكن الجميع يتفاوضون حول شروط تحسين التجارة الدولية, واعطاء مزايا وحماية للاقتصاديات الضعيفة حتي تستطيع أن تتكيف اقتصاديا مع الأوضاع الجديدة دون انهيارات أو مصاعب ضخمة, تؤثر في أوضاعها الداخلية, ومازلنا نري عالميا, أن هناك رغبة في الاستجابة مع هذه المتطلبات بل ومراعاتها وإعطاء هذه الدول فرصا من دعم وأموال للتحديث ووقت مستقطع للحماية, ولكننا كما تعودنا نجد أن كثيرا من هذه الفرص أو الأموال والوقت تتسرب من أيدي هذه الدول التي لاتلبث أن تعاود الشكوي, وتطلب وقتا آخر مستقطعا أو دعما إضافيا, ولكن عجلة التوجهات والتغييرات الاقتصادية العالمية لم ولن تتوقف وكل يوم تنضم دول كثيرة للاقتصاديات المتطورة, بينما تسقط دول أخري.
والسوق الأمريكية أو الشرق أوسطية الجديدة, ليست حدثا فريدا في حد ذاته, فهناك كثير من الدول العربية قد طالبت رسميا بالانضمام مع السوق الأمريكية الكبيرة في سوق مشتركة, ومنها مصر وطلبها هذا مازال قيد البحث والدراسة والمباحثات المشتركة برغم انضمام الأردن وإسرائيل والمغرب فعليا إلي هذه السوق, وكما صرح الأمريكيون فإن الطلب المصري يعتبر طلبا جديا لأن مصر عضو فاعل في منظمة التجارة العالمية, وأخيرا طورت اقتصادياتها, واستكملت كل عناصر الاقتصاد الحر, من قوانين داخلية, بالمواصفات العالمية التي أدت إلي موافقة الاتحاد الأوروبي بكل مؤسساته علي الانضمام الي السوق الأورو ـ متوسطية التي أصبحت تضم12 دولة.
تجيء السوق الجديدة في مرحلة صعبة لا لتشكل محاولة استقطاب حاد مع السوق الاوروبية التي من المقرر أن تصبح سارية المفعول في نهاية عام2010, ولكن لكي تثبت جاذبية المنطقة العربية لتكون جزءا فعالا من الاقتصاد العالمي, وليست محورا لتنافس استراتيجي بين قطبي الاقتصاد العالمي( الامريكي ـ الاوروبي) أو( الدولار ـ اليورو) ولكن لنقول أنه في مرحلة زمنية خطيرة تصور فيها الكثيرون أن احتلال العراق, وعدم حل القضية الفلسطينية وبزوغ تأثير التيار الديني المتطرف وتداعيات حرب الارهاب بين الشرق والغرب جعل المنطقة العربية, ضعيفة أو أن جاذبيتها للاقتصاد العالمي غير مؤثرة, فجاءت المبادرة الأمريكية لكي تكشف عن عدم قدرة الاقتصاد العالمي ليكمل مسيرة تطوره الراهن دون انضمام الدول العربية لهذه السوق ولأن التجارة هي محور الاستثمار, فإن قيام السوق والتنافس الاقتصادي وليس الاستراتيجي بين اوروبا وامريكا علي السوق العربية, سيدفع الاستثمارات وسيؤدي الي تنمية الاقتصاديات العربية, وسيقدم ضمانة الاقتصاديات القوية سواء في أمريكا أو أوروبا للسوق العربية لكي تقوم في كنف الاقتصاديات الكبري بما يدفع الشركاء الاقوياء والمستثمرين والشركات الكبري للاندفاع للمنطقة العربية لتطوير اقتصادياتها.
ودعنا نعترف بكل صراحة بأن الاقتصاديات العربية في وضعها الراهن لاتملك قدرة بناء سوق قوية دون ضمانات دولية واضحة, وتعاون عالمي خلاق, فمعظم الإنتاج العربي, برغم ضعفه وهشاشته هو اقتصاد متشابه ومتنافس الي حد الموت ولايمكن أن ينمو عمليا إلا في كنف الاقتصاد العالمي.
ولكن الأهم للعالم العربي هو رفع درجة التنسيق الاقتصادي بين بلدانه لتعظيم اسهامه في الاسواق الجديدة من موقع الندية, لان دخول دولة للمفاوضات مع السوق الحرة المرتقبة مع الولايات المتحدة بنفس الاسلوب الذي يتم مع الاتحاد الاوروبي, كما هو متوقع لن يعظم حصتها أو قدرتها للتأثير في مجريات السوق المرتقبة ويقلل من شأنها خاصة مع ضعفها البادي, لأن المنافسين شرق أوسطيين وليسوا أمريكيين, كما أن العرب في حاجة إلي تفعيل مبادرة التجارة الحرة بين بلدانهم خاصة حرية انتقال السلع والخدمات. والعمالة ورءوس الأموال, لسرعة قيام شركة مشتركة عربية, تكون قادرة علي التأثير في مجري الأسواق القوية أوروبيا وأمريكيا..
كما أن سرعة عمليات الاصلاح الاقتصادي والسياسي والمؤسسي الداخلي في البلدان العربية, واستكمال البنية الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتعددية المؤسسات, وفصل السلطات, ستجعل من الاقتصاديات والبلدان العربية.. بلدانا مؤثرة جوهريا علي الأسواق الجديدة, وتزيد من كفاءة وتكيف وقدرة العرب علي الانضمام للأسواق العالمية.
ولكن الأكثر أهمية هو سرعة, وضع حد للأزمات السياسية, فلسطينيا وعراقيا, وأن يدرك الجميع أن المصلحة الاقتصادية المشتركة للإقليم. ستحقق أهداف الجميع مع حرية انتقال الأموال والعمالة والسلع والخدمات في منطقة حرة هي الأكبر عمليا, والأكثر قدرة اقتصاديا.
وإذا كان العرب قادرين علي فهم واستيعاب المتغيرات العالمية بدقة وعقلانية, فسيجدون أن فرصتهم هي الاكبر خاصة إذا قاموا بتأهيل جيل واع من التقنيين والفنيين والكوادر العلمية المتفوقة.. للاستفادة من التغيرات الديموغرافية.. التي سوف تضع العمالة العربية في الأسواق الأمريكية والأوروبية.
كما أن كفاءة السلع والخدمات العربية في حالة تطورها ونمو الاستثمارات المشتركة,. التي تستند إلي قاعدة اقتصادية من المواد الخام والعمالة والأسواق الناشئة.. ستؤدي إلي زيادة وارتفاع مستويات المعيشة عربيا, ولحظتها لن يقتصر نمو وتنوع اقتصاد العرب علي بلاد منتجة للنفط أو المواد الخام, وهي في الوقت نفسه تهمش قواعد الإنتاج الاقتصادي الأخري.